التغايرات المناخية وتأثيرها على القطاع الزراعي في العراق والمعالجات المقترحة

التغايرات المناخية وتأثيرها على القطاع الزراعي في العراق والمعالجات المقترحة

 الاستاذ الدكتور علي حسين ابراهيم البياتي

قسم علوم التربة والموارد المائية

كلية الزراعة – جامعة الانبار 

    يقصد بتغير المناخ هي التغير طويل الأجل في درجات الحرارة وانماط الطقس وقد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث على سبيل المثال من خلال التغيرات في الدورة الشمسية، او بتأثير الأنسان وفي هذا الإطار اذ لوحظ منذ بداية القرن التاسع عشر بان الأنشطة البشرية قد أصبحت المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويعزى ذلك الى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، حيث ينتج عن حرقها انبعاثات لغازات دفيئة تعمل عمل الغطاء الذي يلتف حول الكرة الأرضية مما يؤدي الى انحباس اشعة الشمس ورفع درجات الحرارة.

واستنادا الى قائمة العراق الوطنية لجرد الغازات الدفيئة لعام 1997 فان العراق قد ساهم بحوالي 72658 غيغاغرام مكافئ من غاز ثاني أوكسيد الكاربون المنبعث الى الجو، وقد ساهمت عدة قطاعات في انتاج هذه الكمية منها قطاع الطاقة 54.419 غيغاغرام مكافئ من غاز ثاني أوكسيد الكاربون أي ما يعادل 75%، وقطاع الصناعة 6.422 غيغاغرام مكافئ من غاز ثاني أوكسيد الكاربون أي ما يعادل 8.8%، وقطاع الزراعة 8.084% أي ما يعادل %11.1، والنفايات 3.733 غيغاغرام مكافئ من غاز ثاني أوكسيد الكاربون أي ما يعادل 5.1%.

.1تأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعي

    يشكل القطاع الزراعي جزءا رئيسيا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العراق، اذ  يشكل ما نسبته 8% من قيمة الناتج المحلي الجمالي. اذ تبلغ مساحة أراضيها الصالحة للزراعة بحدود 11.1 مليون هكتار والتي تشكل 26.2 % من مساحة القطر الإجمالية، حيث تقع نصف الأراضي الصالحة للزراعة تقريبا ضمن المناطق المتاحة للإرواء من نهري دجلة والفرات وروافدهما وفق المنظور الفني والاقتصادي، الا ان كمية الموارد المائية المتاحة من هذه المصادر المائية لا تكفي الا لإرواء مساحة بحدود  3.3مليون هكتار، اما النصف الاخر من الأراضي الصالحة للزراعة فإن ما نسبته 15% منها تقع ضمن المناطق المطرية المضمونة الأمطار (معدل هطول المطر السنوي اكثر من 450 ملم/سنة)، وما نسبته 23% منها يقع ضمن المناطق شبه مضمونة الأمطار(معدل هطول المطر السنوي يتراوح بين 350-450 ملم/سنة) اما الباقي والذي تصل نسبته الى %62 فأنها يقع ضمن المناطق غير مضمونة الأمطار( والذي يتراوح الهطول المطري فيها بين 50-350 ملم/سنة) وحسب الموقع الجغرافي وتوزيع الخطوط المطرية.

 1. قابلية القطاع الزراعي لتأثر بالتغاير المناخي

   تقع معظم أجزاء العراق وحسب كميات الأمطار الساقطة ومعدلات درجات الحرارة السائدة ضمن ما يعرف بالأقاليم المناخية الجافة وشبه الجافة من العالم، لذا فان ابرز تأثيرات التغير المناخي على النظام الأيكولوجي للبلد تنعكس بصورة رئيسية على نظام الزراعة وامدادات المياه فيه، حيث تكون ابرز المسببات المناخية لهذا التأثير على الزراعة هي ارتفاع درجات الحرارة، والتباين والانخفاض في نظم الهطول المطري، وزيادة تواتر نوبات الجفاف مقارنة عن ذي قبل ومثال على سنوات الجفاف   2001-2000-1999 و2009-2008 ، اذ يعد المزارعون وصغار الفلاحين ومربوا الماشية وجميع الفئات المرتبطة بالإنتاج الزراعي ابرز المتأثرون بصورة مباشرة من تداعيات التغاير المناخي على الزراعة وينعكس ذلك التأثير بالنتيجة على نظم توفير الغذاء لجميع السكان نتيجة انخفاض الانتاج الزراعي النباتي والحيواني باعتباره مصدر الغذاء فضلا عن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية على شريحة واسعة من المجتمع نتيجة انخفاض دخل المزارعين والهجرة من الريف الى المدينة وغيرها من التأثيرات.

1.1 قابلية تأثر الزراعة المطرية

   يشكل محصولي الحنطة والشعير الجزء الأساسي للزراعة المطرية في العراق، اذ تبلغ النسبة المئوية للمساحات المزروعة بالمحصولين ضمن المناطق المطرية الى المجموع الكلي للمساحة المزروعة بكليهما في البلد بحدود 30% للحنطة و 50% للشعير. ان هشاشة الزراعة المطرية في ظل التغايرات المناخية نتيجة التذبذب الكبير في كمية الهطول المطري من سنة لأخرى، فضلا عن تباين كميات سقوطها من شهر لآخر خلال اشهر الموسم الشتوي او انحسارها أحيانا سواء في بداية الموسم الزراعي او عند نهايته، حيث ينعكس ذلك بأثر سلبي على إنتاجية المحاصيل المزروعة في تلك الأراضي، ولعل ما يزيد من هشاشة الزراعة المطرية ان الأمطار تبدأ بالانحسار مع نهاية فصل الربيع في الوقت الذي تكون محاصيل الحبوب المزروعة وبالخصوص الحنطة في مرحلة متقدمة من النضج وبحاجة الى امطار إضافية مما يسبب اجهاد مائي على النبات ينعكس سلبا في إنتاجية المحصول، واحيانا خسارة المحصول بشكل شبه كامل وعدم حصاده.

1.2 قابلية تأثر نظم الزراعة المروية

   تستهلك الزراعة المروية نسبة تزيد على 80% من جملة الموارد المائية المتاحة من نهري دجلة والفرات. وهناك ثلاثة عوامل رئيسية تساهم في هشاشة نظم الزراعة المروية التي تستوعب الجزء الأكبر من سكان الأرياف الذين يشكلون ما يقارب 33% من سكان العراق وكلاتي:

أ. تقع اغلب منابع النهرين وروافدهما في دول مجاورة للعراق، اذ تتبع تلك الدول سياسات انفرادية في  إدارة الموارد المائية المشتركة، ان التناقص المستمر للواردات المائية للعراق سينعكس ويؤثر بصورة مباشرة على نظم زراعة المحاصيل والثروة الحيوانية في البلد مستقبلا.

ب. تدهور حالة البنى التحتية للزراعة وخصوصا منشآت الري والبزل من قنوات ري ونتيجة لسنوات

طويلة من الإهمال تزيد من هشاشة نظام الزراعة المروية.

ج. انخفاض كفاءة استخدام مياه الري وبالخصوص على مستوى الحقول المروية بسبب ضعف الوعي

     العام لدى الفلاحين بأهمية الاستخدام الرشيد والمقنن لمياه الري وعدم استخدامهم لتطبيقات الادارة الحديثة للمياه داخل حقولهم مما يسبب الهدر في المياه ويساهم في زيادة مشكلة ملوحة وتغدق الأراضي.

1.3 قابلية تأثر نظم المراعي الطبيعية والثروة الحيوانية

   تشكل الأراضي الصالحة للرعي بحدود 70% من مساحة العراق ويقع معظمها ضمن ما يعرف بالمناطق غير مضمونة الأمطار واغلبها يقع تحت الخط المطري 200 ملم/سنة، حيث تتمثل هشاشة نظم المراعي الطبيعية في ان تلك الأراضي تتأثر بشدة نتيجة النقص والتباين في الهطول المطري سنويا وما ينتج عنه انحسار للأراضي الصالحة للرعي، ومما يزيد من هشاشة نظم المراعي الطبيعية هو الاستخدام الجائر للمراعي الطبيعية المتوفرة بسبب قلة الوعي لدى رعاة الماشية بأهمية الرعي الرشيد والعقلاني حيث يتم رعي الماشية في مراحل مبكرة من عمر النبات الطبيعي وذلك يؤدي الى استنفاذ النبت الطبيعي وعدم نموه مرة ثانية حتى لو توفر هطول مطري مناسب، ومن جانب أخر فان تناقص المراعي الطبيعية يساهم بشكل فعال بالتأثير على الثروة الحيوانية المعتمدة على الرعي كمصدر للغذاء والتي تقدر بنحو 50% للجمال، 36% للماعز، 34% للأغنام، 25% للجاموس و 23% للأبقار من مجمل الثروة الحيوانية في العراق. وفي سياق متصل فأن تقرير المسح الوطني للثروة الحيوانية 2008 لوزارتي الزراعة والتخطيط بيًن ان انحسار الغطاء النباتي وتدهور الأراضي وقلة التشجير ومشاكل الملوحة الناتجة من التغاير المناخي ساهمت في زيادة ظاهرة التصحر التي يعاني منها العراق لما تشكله من مشاكل بيئية كبيرة وفي مقدمتها زحف الكثبان الرملية و الأراضي الصحراوية على الأراضي الزراعية وعلى البنى التحتية للزراعة والطرق وغيرها.

  ويمكن ايجاز تأثر هذا القطاع بتداعيات التغاير المناخي بعدة عوامل ابرزها:

أ- تناقص مساحة الأراضي المزروعة بالأعلاف.

ب- التأثيرات السلبية على صحة الحيوان الناجمة من ظهور امراض جديدة.

ج. التأثيرات السلبية على إنتاجية الحيوانات نتيجة الاجهاد الحراري.

1.4 قابلية تأثر قطاع الآفات النباتية

   بالنسبة لقطاع الأمراض النباتية فأن الأثر المتوقع يختلف حسب المسبب المناخي حيث ان الظروف المناخية تشكل ثلث العوامل المسؤلة عن وقوع المرض ضمن ما يسمى بمثلث المرض Disease triangle، وتلك العوامل هي المسبب الحي Live pathogen والعامل الحساس Susuceptible Host والظروف الجوية المناسبة Suitable  Environmental conditions ، حيث ان تأثير درجة الحرارة قد يعجل او يؤخر من ظهور الآفة، فعلى سبيل المثال فأن حشرة دوباس النخيل التي تنتشر بشكل واسع في العراق تتاثر بارتفاع درجة الحرارة من حيث ظهور الحوريات فيؤثر ذلك في توقيتات مكافحة هذه الآفة.

2. المعالجات التي يمكن من خلالها الحد من تأثير التغايرات المناخية

ا- تنفيذ مشروع استخدام الري بالرش في زراعة المحاصيل وخاصة الإستاتيجية منها كالحنطة والشعير وذلك لترشيد مياه الري فضلآعن دعم استخدام الري بالتنقيط في زراعة الخضر والبستنة.

ب-  انشاء محطات المراعي الطبيعية في المناطق الرعوية بالعراق لغرض انتاج النباتات الرعوية وخاصة النباتات المتحملة للجفاف والملوحة ومن ثم نقل تلك النباتات وزراعتها في المناطق الرعوية لغرض تنمية النبت الطبيعي المتدهور إضافة للتقليل من مساحة الأراضي المكشوفة المعرضة للجفاف والمسببة للعواصف الغبارية.

ت- تنفيذ مشروع تثبيت الكثبان الرملية المتحركة التي تؤثر على الآراضي الزراعية والبنى التحتية لمشاريع الري والبزل والطرق وإقامة الأحزمة الخضراء في المناطق التي تمت معالجة الكثبان الرملية فيها.

أ. إقامة مشروع الواحات الصحراوية اعتمادا على المياه الجوفية بهدف توفير محطات لشرب الماء  ورعي الماشية وزيادة المراعي الخضراء واعتبارها مصدر لأكثار وتنميت أنواع النبت الطبيعي.

ب. انشاء شبكة من محطات الأرصاد الجوية الزراعية في كافة محافظات العراق الهدف منها توفير المعلومات والتحليلات المتعلقة بالطقس والمناخ لذوي العلاقة بالقطاع وبضمنها التاثيات الناجمة عن التغيرات المناخية.

ج. استنباط سلالات من المحاصيل الزراعية المتحملة للجفاف والمقاومة للملوحة والمتوائمة مع البيئة المحلية وخاصة بالنسبة لمحصول الحنطة.

د. تطبيق تقناة حصاد المياه والتوسع فيها في المناطق الصحراوية للأستفادة من السيول الناتجة من الأمطار.