فسيولوجيا الشيب

فسيولوجيا الشيب

لعل من أبرز الأسئلة التي يوجهها لنا ابناؤنا.. هي لماذا يشيب شعرك يا أبي؟ والشيب هو فقدان الشعر للونه الطبيعي وتحوله الى اللون الأبيض او الرمادي، ويعد أحد مظاهر تقدم العمر ولكنه يمكن ان يظهر في الشباب بعد سن العشرين، وان سبب ظهور اللون الأبيض للشعر هو فقدان صبغة الميلانين التي تعطي للجلد والشعر لونها المعروف.

ان أسباب حدوث الشيب تكون مختلفة ولكل عامل منها دوراً مهم في احداث تغير اللون الأصلي للشعر ومنها الجينات (genes) التي تتحكم بشكل كبير في انتاج الميلانين، كما يؤثر العرق (Race) في وقت ظهور الشيب، كما تؤدي الفيتامينات دوراً مهماً في السيطرة على أداء خلايا الميلانين ومنها فيتامين B12 الذي يرتبط نقصه بظهور الشيب في وقت مبكر .

لاحظت العديد من البحوث الحديثة الى وجود علاقة ارتباط سبب قصور الغدة الدرقية مع ظهور الشيب فضلاً من ان الإدمان على التدخين والكحول يؤثر سلبياً على أداء خلايا الميلانين ويسبب ظهور الشيب

كذلك استخدام الشامبو والمواد التجميلية يؤثر سلبياً على الجسم ويزيد من ظهور الشيب وكثيراً ما تسبب هذه المستحضرات بإتلاف خلايا الميلانين وكذلك وجود حالات فقر الدم anemia تسبب قلة وصول الغذاء والاوكسجين الضروري لنمو الخلايا وبالتالي اضعاف نمو الشعر بصورة طبيعية وبالتالي ظهور الشيب .

ان فسيولوجيا الشيب من المسارات الايضية المعقدة اذ ان اللون الأصلي للشعر هو اللون الأبيض لكنه يكتسب لونه بفضل صبغة الميلانين التي تنتجها الخلايا الصبغية التي تفرز صبغة الميلانين في بصيلات الشعر لتعطيه اللون الذي يظهر به تتكون صبغة الميلانين من نوعين احدهما داكن والأخر فاتح ونتيجة مزج هذين النوعين بنسب مختلفة يظهر تدرج الوان الشعر المختلف عند البشر والذي يحدد تبعاً للصفات الجينية بحيث تبدأ خلايا الميلانين نشاطها في المراحل الجنينية للإنسان وتستمر وصولاً لعمر الثلاثينيات وبعدها يبدأ نشاطها بالانخفاض بمعدل 20-30 % كل عشر سنوات .

إشارات بحوث ودراسات حديثة جامعة برادفورد البريطانية الى السبب الأكثر تأثيرا في ظهور الشيب هو ان بتقدم العمر تبدأ بصيلات الشعر بإنتاج بيروكسيد (H2O2) الذي يعمل كمزيل للون الشعر الطبيعي اذ ان فشل تحطيمه يؤدي الى زيادة كبيرة في سرعة إزالة لون الشعر وظهور الشيب بشكل سريع وكبير.

ويبدو ان الانسان كلما تقدم في العمر فأن ذلك يؤدي الى قلة نشاط الانزيم الذي يعمل على تفكيك بيروكسيد الهيدروجين الى ماء واوكسجين وبالتالي يصبح زيادة في بيروكسيد الهيدروجين في بصيلات الشعر وبالتالي تثبيط تكوين مادة الميلانين الملونة للشعر وظهوره باللون الأبيض.

لقد ربط العلم الحديث بين ظهور الشيب وضعف العظام اذ ان سائل بيروكسيد الهيدروجين يتكون في كل انحاء الجسم بفعل العمليات الايضية المختلفة بكميات بسيطة وبتقدم العمر يزداد انتاجها مقابل ذلك قلة فعالية الانزيم الذي يعمل على تفكيكها وتقليل تركيزها وهذا الازدياد في بيروكسيد الهيدروجين يؤثر أيضاً على تركيب العظام مسبباً هشاشة العظام بتقدم العمر وان بلوغ الاربعين عاماً يعني انتكاس في بعض المسارات الايضية المهمة في الجسم وقلة كفاءة الخلايا عموماً لقد لخص لنا القران الكريم فسيولوجيا الشيب في اية قرانيه عظيمة على لسان زكريا علية السلام بقوله (قال رب اني وهن العظم مني واشتعل الراس شيباً ولم اكن بدعائك ربي شقياً) سورة مريم .

ومن دقة الاعجاز ان الآية وصفت الراس والمراد بيه الشعر ووصفت العملية بالاشتعال (أي احتراق بدون نار) وهذا ما يفعله بيروكسيد الهيدروجين بالشعر من إزالة الصبغة ولم يقل (احترق) لان العملية تتم بعدم وجود الاوكسجين كما في الاحتراق التام.

(ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)