مقال للدكتور باسم محمد

مقال للدكتور باسم محمد

 الاذان الثاني في يوم الجمعة

Friday's second call to prayer

بقلم أ.م.د باسم محمد عبيد

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد .....

   لا يخفى علينا نحن كمسلمين ان الأذان الثاني في يوم الجمعة قد شُرِّع في زمن الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث أخرج الامام البخاري في صحيحه ما ورد عن السائب بن يزيد انه قال: ( كان النداء يوم الجمعة أوله اذا جلس الامام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء )، ففي الحديث سماه ثالثا؛ لإضافته الى الاقامة، ولا يعلم مخالف لسيدنا عثمان رضي الله عنه من الصحابة الكرام  لفعله هذا، مما يعد اجماعا.

   فعندما كان يرفع الاذان على الزوراء، وهي كما قيل: بيت سيدنا عثمان رضي الله عنه، وقيل هي مرتفع في المدينة كالمنارة، يعد هذا بمثابة التنبيه للناس وليس هو الاذان الذي يوجب السعي ويحرم فيه البيع ويقاس عليه سائر العقود الاخرى، كما في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). الجمعة: 9.

   فذهب اغلب الفقهاء الى القول بأن كل اذان يوم الجمعة قبل الزوال لا يعتبر نداءً يحرم فيه البيع، وانما المعتبر هو ما بعد الزوال.

   فالذي يتبين مما سبق ان الله سبحانه وتعالى امر الناس بالسعي الى الصلاة وترك البيع في يوم الجمعة عند النداء، والنداء في زمنه صلى الله عليه وسلم  كان بين يديه بعد صعوده المنبر بعد زوال الشمس، وجرى العمل على هذا في خلافتي سيدنا ابي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكذلك العمل في زمن سيدنا عثمان وباقي الصحابة رضي الله عنهم، الا انه كما ورد في الحديث السابق انه زاد اذان آخر لتنبيه الناس؛ لانشغالهم في البيع بعد ان كثروا، حيث لا يعد هذا الاذان والذي يكون وقته قبل الزوال هو الوقت المنهي عن البيع فيه.

   الذي يظهر في وقتنا الحالي وحسب الفهم الخاطئ لبعض الناس، ان الاذان الاول في مناطقنا ومساجدنا الحالية هو ليس وقت النداء لصلاة الجمعة؛ لذلك لا يحرم البيع فيه، وانما يحرم البيع وقت الاذان الثاني، وهذا لا يصح؛ لان الاذان الثاني يكون بعد ان يرتقي الامام المنبر وانتهاء المصلين من أداء السنة القبلية، وهو ليس محدد بوقت، فهناك مساجد يرتقي فيها الامام المنبر بعد فترة وجيزة من الاذان الاول، وهناك مساجد يتأخر فيها الامام مدة طويلة حتى يرتقي المنبر ويؤذن المؤذن الاذان الثاني.

   فلو قلنا ان الحرمة في البيع والعقود الاخرى وقتها الاذان الثاني كما هو العمل عليه في مساجدنا، فما هو وقته المحدد؟ لأنه لو كان متبايعين يعقدان البيع في مكان ما واحدهما يصلي في مسجد والثاني يصلي في مسجد آخر، وأذن المؤذن الاذان الثاني في مسجد ولم يؤذن الاخر، فهنا يكون البيع حلال في حق واحد منهما وحرام في حق الأخر، وهذا لا يصح.

   عليه: اما ان يؤذن الاذان الاول قبل الزوال كما كان عل عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه لتنبيه الناس، والذي شرعه  رضي الله عنه لهذا الغرض، ويكون الاذان الثاني بعد الزوال، والذي به يحرم البيع، او يبقى كما هو عليه في مساجدنا، ويكون الاذان الاول الذي بعد زوال الشمس هو وقت النداء لصلاة الجمعة .  والله تعالى اعلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته