هل نحن مثقفون ؟

هل نحن مثقفون ؟

 

هل نحن مثقفون ؟

مي احمد مجيد

لتحميل المقال اضغط هنا 

ان  مصطلح مثقف بات من أكثر الكلمات تداولا  وانتشارا بين الناس،  وهو يعتبر من المصطلحات الحديثة التي دخلت لغتنا العربية، فكلمة ثقافة (culture) اشتقت من الكلمة اللاتينية (culter)، والتي تعني حراثة الأرض. ما من الناحية اللغوية فلها أصولها واشتقاقاتها في اللغة العربية، فكلمة الثقافة في اللسان العربي تعود الى الجذر اللغوي (ثقف) يقال: ثقاف الرماح بمعنى تسويتها وتقويم اعوجاجها، ويقال: ثقف الشيء، أي: عرفه وحذقه ومهر فيه. والثقيف هو الفطين، وثقف الكلام، أي: فهمه بسرعة.

يعتبر الانسان كائنا ثقافيا، يحب ويغضب ويتفاعل مع محيطه حسب ثقافته، فهو نتاج لثقافة نشأ وتربى عليها. فالثقافة بالنسبة للكثيرين هي: عبارة عن نمو معرفي تراكمي على المدى الطويل. بمعنى أنها ليست علوما جاهزة يمكن للمجتمع ان يحصل عليها ويفهمها في زمن قصير، وانما تتراكم الثقافة عبر مراحل طويلة من الزمن حتى تنتقل من جيل الى آخر عبر التنشئة الاجتماعية، حيث يكتسب الأطفال خلال نموهم العديد من المعلومات الثقافية. وإذا اتفقنا مع هذا المعنى، فهل الإيمان بكل الأفكار الموروثة حتى الشاذة منها والمنافية للعقل والمنطق يجعل الشخص مثقفا؟

هناك تعريفات للثقافة لا حصر لها فاعتبر بعضهم الدين هو مقياس الثقافة، فالشاعر والفيلسوف (تي اس اليوت)  يبني نظريته الثقافية على هذه العلاقة، ويشير إلى أن الثقافة ناتجة عن الدين، وكل الشعوب يجب أن يكون لها دينها وثقافتها. وكما يشير في حديثه عن تعريفه للدين بانه كل الممارسات التي يقوم بها شعبٌ ما، فهو لا يقصد بالدين العلاقة بين الله والإنسان، بل يقصد الممارسات الإنسانية التي اتخذت شكل الدين بسبب تكرارها وحاجتها. فالثقافة: هي مجموعة القيم والمبادئ التي تهذب السلوك والذوق والأدب في المجتمع. والمثقف: هو الفرد الذي يمثل الخير في هذا المجتمع، يجمع بين الحكمة والفلسفة والعمل.

كما ينظر اليها آخرون بانها حالة فكرية (a state of mind ) فشخص ما يصبح مثقفاً حينما يتجه صعوداً نحو فكرة الكمال أو الهدف أو التحرر أو إنجاز طموح إنساني. ومن هذه الزاوية تعتبر الثقافة كنوعية تكتسب من جانب الأفراد القادرين على التعلم وتحقيق الصفات المرغوبة لدى الكائن البشري المثقف. والبعض الآخر يضعها في إطار جماعي للفنون والأعمال الذهنية لدى أي مجتمع منفرد. وهذا التعريف يستعمل بشكل واسع باعتباره له إحساس مشترك لدى الأفراد. ووفق هذا التعريف يمكن العثور على الثقافة في المسارح وفي قاعات الاحتفالات وصالات اللوحات الفنية الجميلة والمكتبات العامة بدلاً من الامتداد إلى كل مظاهر الحياة الاجتماعية للإنسان, وبهذا المعنى يطلق على الثقافة أحياناً الثقافة العليا (high culture)‏

ونظرا لتعدد تعريفات الثقافة فقد جاء إعلان مؤتمر الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ليؤطر تلك التعريفات ويحددها، فالثقافة بمعناها الواسع هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز كل مجتمع عن الآخر، أو فئة اجتماعية عن الأخرى، وهي تشمل أيضاً الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات,  فالإنسان المثقف هو القادر على التفكير في ذاته، وثقافته هي التي تجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية التي تؤكد ذاتها في العقل والالتزام الأخلاقي، فعن طريقها يهتدي للقيم العليا، ومن خلالها يمارس اختياراته، فهي المرآة الوحيدة التي تكشف الإنسان أمام ذاته.  

اما المثقف المسلم فيعرف بأنه المطلع إلى حد الاستيعاب على الواقع وتطوراته وتياراته الاجتماعية والفكرية والعلمية، وهو لا يمتلك رأيا فقهيا أو فكرا اجتهاديا خاصا به؛ تمييزا له عن الفقيه والمفكر الإسلامي، بل إنه يحمل الأفكار ويستوعبها، ثم ينشرها ويشرحها في هذين المجالين، أي: إنه يتحرك في إطار مرجعية علمية وفكرية تحركا واعيا وهادفا وتكامليا.

إذا أردنا التكلم عن الثقافة في مجتمعنا العربي فلا يمكننا ذلك دون التطرق إلى مالك بن نبي الذي شغلته مسألة الثقافة، فهو يرى أن المثقف هو الذي يجب أن يعمل على تحرير مجتمعه من الاستعمار الثقافي الذي يحمل قوالب جاهزة لمجتمعات أخرى بدعوى التحضر، والتخلص من العبودية، والطموح إلى الحرية بمقاسات هذه الأفكار التي توهمنا أنها تحمل صفة الموضوعية، ولكنها في الحقيقة إنما هي كذلك؛ لأنها تسقط أفكارها في واقع غير منسجم وغير مؤسس من حيث الأولويات والمناهج والمشاريع المنتجة والمبدعة التي تعكس جودة الأفكار والأشياء والأشخاص.

ليس موضوعنا هو تعريف الثقافة وأنا لست مالك بن نبي كي أخوض في غمار مشاكل الثقافة وتعريفاتها، لكن تواجهنا كلمة مطاطة جدا  وهي كلمة مثقف والتي تطلق على الكثيرين بدون أن ندرك معناها الحقيقي, فهل عالم الدين مثقف وما سواه جاهل؟ أم أن الثقافة مقتصرة على الشعر والمسرح وبقية الفنون؟  وهل الأدباء جميعهم مثقفون؟ هل الثقافة حكرا للعلوم الإنسانية؟ هل ترتبط الثقافة بالمستوى الدراسي؟ أم أن المبدع في مجاله مثقف سواء كان مزارعا أو مقاتلا؟ وهل أن مصطلح مثقف هو مصطلح خيالي مثالي لا يمكن إسقاطه على شخص بمفرده؟ إذا كان معنى الثقافة هو تهذيب النفوس، والسمو بها نحو الرفعة والرقي الإنساني، فهل نستطيع أن نطلق كلمة مثقف على عنصري أو طائفي أو فئوي، ولو نال أعلى الدرجات، وأكبر الاختراعات، وهو يمارس في سلوكه أمورا تتنافى مع ما هو إنساني؟