أثر التطرف الفكري في إعاقة التقدم العلمي للطالب الجامعي

أثر التطرف الفكري في إعاقة التقدم العلمي للطالب الجامعي

 أثر التطرف الفكري في إعاقة التقدم العلمي للطالب الجامعي

الأستاذ الدكتور: تكليف لطيف رزج

 

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة ، وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

مما لا ينبغي جهله للطالب الجامعي ما يأتي:

أولاً: للطالب الجامعي أهمية بالغة عند المحيط الذي يعيش فيه بدءً بالأسرة التي ينتمي اليها ومروراً بأساتذته الذين تتلمذ على أيدهم فهو أي الطالب الجامعي _ عندهم مفخرة في مجالسهم العامة والخاصة كونه ثمرة جهدهم وحسنة من حسناتهم.

ثانياً: الاخطاء الشائعة لدى أغلب طلبة الجامعات أن الدخول الى أروقة الحرم الجامعي هو بمثابة ايذان بمرحلة جديدة بمعايير الحرية المطلقة والتحرر من القيود الاسرية والاجتماعية والدينية أحياناً، مما  تدفعه لبناء صداقات مخجلة، وأخرى عاطفية مشبوهة، فالحرية مكفولة للجميع في التعبير عن الرأي والملكية والمأكل والملبس ، ولكن بحدود وضوابط أو إن صح التعبير حرية مشروطة.

ثالثاً: التفوق العلمي والتقدم الدراسي هو نصيب طائفة من طلاب الجامعة ، فالمتفوق : من وصل أداؤه الى مستوى أعلى من أقرانه ، وذلك باحتساب الدرجة الكلية التي يحصل عليها الطالب في نهاية الفصل الدراسي أو السنة الدراسية.

وبناءً على ما سبق فالتفوق له مقدماته، وأسبابه ، وأثاره النفسية والمعنوية على الطالب وذويه ، وله تأثيراته على محيطه ومجتمعة في صناعة جيل يحمل الأمانة لمن بعده من الأجيال.

 

ولذا يمكن القول أن التفوق له أسبابٌ كثيرة من أهمها:

أ:-القدرة الذهنية وهي هبة ربانية يشترك فيها الجميع ممن حباهم الله بها، فالتكريم الرباني للإنسان مبني على العقل الذي هو محور التفضيل الالهي له عن سائر المخلوقات.

ب:-الاستشعار بأهمية التفوق العلمي وثمراته الانية والمستقبلية على الطالب الجامعي، والتفكير به وحب النجاح في مجال التخصصية منطلقات أساسية في مضمار سباقات التفوق والتقدم العلميين.

ج:-أكتشاف المواهب ومن ثم السعي الى تطويرها من أجل الوصول الى الغايات السامية تعد من أسباب التفوق ، إذ أنّ لكل طالب موهبة قد امتاز بها وإلا  كيف وصل الى أروقة الجامعة سواء  أعلم ذلك أم جهله.

د:-البيئة المحيطة بالطالب الجامعي سواء على مستوى الأسرة الحاضنة الأولى لمكنونات ابداعه وتفوقه، أو على مستوى الأصدقاء في البيئة الجامعية فهم معول هدم أو يدُّ بنَّاءِ.

كما أنّ الذي يقف حائلاً دونما تقدم وتفوق للمستوى العلمي لدى الغالب_ وهذا المؤسف _ من طلبتنا الأعزاء ، أنّ ثمة عقبات تحول دونه، وأسباب تمنع رقيه،  وعوامل تعرقل مسيرته ، وهي  تقع ما بين الاجمال والتفصيل ، منها خارجي وداخلي ، ومنها مادي ومعنوي ، وعلى سبيل التفصيل نذكر الاسباب الداخلية منها: الصحية والنفسية والاجتماعية ، والتنمر بين الاخوة ، وعدم التناغم ما بين الابوين وغيرها، وأما الخارجية فهي مبنية على الغزو الفكري الذي استهدف الفكر ومحطته العقل ، استهدف أداة التفكير والابداع والابتكار والاختراع وهي بالمحصلة نتائج حتمية للتفوق .

ولقد سمى أحد المفكرين الاستشراق والاستعمار والتبشير باجنحة المكر الثلاثة ، ويحق لنا أن نقول : أن الانحراف الفكري والتطرف والغلو هي أجنحة التشويش الفكري ، لأنها مشغلات للفكر عن الرقي ومحركات للسلوك غير السوي ، وأنها تنوء بالطالب الجامعي عن منصات التفوق ومحطات التطور والتي من أجلها دخل الحرم الجامعي، فضلاً عن أن يكون في مصاف المتفوقين ، لذا للجامعة وأساتيذها الدور الرائد في مجال تصحيح المفاهيم ، وتوجيه الانظار ، وتنبيه الافكار ، واذكاء مبدأ التعاون العلمي ، وأشغال ذهن الطلبة بالذي هو خير عمن هو أدنى، وأشعال روح التنافس بطرق شتى ، وبجانبيه المادي والمعنوي.

وعليه لابد من بيان محاور أساسية لبعض المفاهيم ، وبيان العلاقة بينها، والتركيز على بوصلة تغيير المسار العلمي نحو التفوق العلمي لطلبتنا في مجالات تخصصاتهم كافة، من خلال دور المؤسسات التعليمية وفي مقدمتها الجامعة المعطاء، وأساتيذها الفضلاء.

التعريف والمفهوم

الانحراف لغة: هو الميل، مال عن الطريق يميل ميلا، تركه وحاد عنه والانحراف عن منهج الوسطية ،له صورتان هما: الغلو والتطرف، أما الغلو: فهو مجازاة الحد عن المعتاد وهو من الفعل غلا يغلو غلوا، وهو المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجاوز الحد، ، وأما الصورة الثانية للانحراف فهي التطرف الذي هو مأخوذ من الحرف وهو الطرف، والطرف غاية الشيء ومنتهاه وجانبه .ولقد وردت آيات كريمات تبين فيها حقيقة الانحراف قال تعالى: ((مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)) التحريف كما قاله بعض المفسرين: التغير والتبديل ، وأصله من الانحراف عن الشيء ، وقال تعالى: ((وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ)) متحرفاً أي إمالة الشيء عن حقه .

وعليه يمكن القول: أنَّ الانحراف والتطرف من نتائج الغزو الفكري، وذلك لأنَّ الفكر هو محور السلوك الاجتماعي ومرتكزه الأساس.

فالتطرف الفكري إذاً  هو الخروج عن جادة الصواب، والبعد عن الوسط المعتدل، ويكون الانحراف الفكري باختلال في فكر الإنسان وعقله، والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه وتصوراته وتوجهاته للأمور الدينية، وله تطبيقات عملية كثيرة فالأكل والشرب والكلام والادوية وقضايا اجتماعية واقتصادية وأخرى في مجالات الحياة المتعددة ، والفكرية واحدة منها.

        كما أن الغزو الفكري يسعى لتوجيه بوصلة الفكر بين الانحراف والتطرف من خلال  استهدف شرائح اجتماعية متعددة، والطالب الجامعي جزء لا يتجزأ من هذه المؤامرة التي تسعى لتغيير بواطن التفكير للوصول لتغيير السلوك الخارجي.وبهذا يتبين لذا الترابط ما بين الغزو الفكري والانحراف الفكري بصورتيه الغلو التطرف.

 

لماذا أستهدف غزاة العصر الفكر دون غيره؟

مجموعة من الاسباب تقف وراء الاستهداف منها:

تشويه الإسلام وحجب محاسنه ، وتفتيت وحدة المسلمين من أجل التمهيد لاستغلال ثرواتهم واستعمارهم عسكريا، وهذا ما سعت إليه دوائر الاستشراق ومراكز التبشير في العالم الغربي.

إبدال الوحدة الفكرية: وذلك بإبدال الوحدة الفكرية عند المسلمين بأخلاط فكرية متناقضة، ينجم عنها أشكال من الصراع الفكري بين أبناء الأمة الإسلامية

 إبدال الوحدة السلوكية: السلوك النظري والتطبيقي المنحرفين كفيلان بإحداث القلق والاضطراب وعدم الاستقرار. ولأجل إبدال الوحدة السلوكية لدى المسلمين، فقد استخدم الغزاة الوسائل المتطورة والحديثة التي توصل الأفكار والثقافات والتقاليد إلى أبعد نقطة في العالم.

والأهم والأخطر ما ذكره حسن حبنكة الميداني رحمه الله في أحد مؤلفاته، بالقول: (حين تفسد الفكرة، وتتولد القناعة المنحرفة عن سبيل الحق، ستثار العاطفة إثارة ملائمة لهذه القناعة، فتخضع الإرادة، ثم توجه السلوك الداخلي والخارجي على وفقها)  وتحت مظلة هذا القول تقع كثير من التطبيقات ويمكننا أن نفسر كثيراً من السلوكيات غير المنضبطة ، منها ذلك الشاب الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا قد شُحن فكره بتصورات وأفكار مخلوطة وخاطئة ، والحل هو تغيير الفكرة لكي تتغير على أثرها الافعال، لذا جاء الجواب من صلى الله عليه وسلم أترضاه لأمك؟ قال الشاب: لا ، قال صلى الله عليه وسلم ولا الناس يرضونه لامهاتهم ، ثم قال له أتراضاه لاختك ، لعمتك ، لخالتك، وهكذا،  حتى وصلت القناعة لدى الشاب ببشاعة الفكرة،  وأُزيل ذلك من دائرة تفكيره،  فخرج الشاب وقد تولدت له قناعة عن عدم الفعل ، فمسار السلوك لا يمكن تغييره إلا بتغيير وتصحيح مسار وبوصلة الفكر، وقس على ذلك الكثير من التطبيقات في حياتنا اليومية والجامعية على وجه التحديد، فعندما تتولد الفكرة في التفوق فإن الارادة ستتجه نحو الاخذ بأسبابه،  ومن ثم تغيير الخطة الدراسية وزيادة ساعات الجد والمثابرة من أجل الوصول الى التقدم العلمي.

مواجهة التطرف  والانحراف في نمط التفكير

      مواجهة التطرف الفكري بجوانبه المتعددة والمتنوعة يتطلب منظومة متكاملة من الاجراءات ويحتاج الى ميادين متباينة في تأثيراتها ، وواسعة في نمطها ونطاقها ، فالاسرة والمسجد والاعلام والجامعة كل له دوره ومكانته التغييرية فضلاً عن التشريعات القانونية المدعومة بالتنفيذية ، والذي يخصنا هنا هو المؤسسات التعليمية ذات الصلة بالطلبة عموماً والجامعة علة وجه الخصوص.

دور المؤسسات التعليمية

خطوات  تحقيق الأمن الفكري كثيرة ، ويمكن ذكر أهمها :

 أن يكون جميع منتسبي المؤسسات التربوية في المدرسة والمعهد والكلية قدوة صالحة في القول والعمل فيما يتعلق بتطبيق منهج الوسطية في جميع شؤون الحياة.

 ربط المادة العلمية بالواقع السلوكي للطلاب مع زيادة التوجيه والإرشاد التربوي  

 الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية الإسلامية القائمة على التواد والتعاون كونها الأساس الإسلامي لبناء علاقات إيجابية مع الآخرين  

 تربية الطلاب على سماحة الإسلام كاليسر والرفق ورفع الحرج وتعريفهم بالتعاليم الإسلامية القائمة على الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسل.

 

 دور الجامعة والاستاذ الجامعي

استثمار عقول الشباب واجب يشترك فيه جميع الأفراد والمؤسسات والهيئات في المجتمع ، ويكون ذلك بتفعيل المسابقات العلمية والتي تنمي روح التنافس, وتحرك طاقات الابداع وبما يعزز أشغال حياته بالامثل والاصلح.

ولذلك فإن للجامعة دور بالغ الأهمية في تنشئة شخصية الطالب من خلال استكمال دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى بتطويع سلوكه وتوجيهه واكسابه القيم والمفاهيم الصحيحة . وهذا سوف يحصن الفرد ضد الموروثات الفكرية السلبية مهما كان مصدرها .

. أن الذين يقومون على هذه المؤسسات هم خلاصة مفكِّري الأمة، وفيهم يجب أن تجتمع الصفات الحميدة المؤهلة لإدراك أهمية الأمر، والشعور بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم، وأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم الطلاب في جميع تصرفاتهم وأعمالهم وأقوالهم

 دور الاستاذ الجامعي  مهم، وتحمل الجزء الأكبر في تعزيز الأمن الفكري، فهو القدوة والمربي، والموجه والمحرك لفئة الشباب داخل الحرم الجامعي وخارجه، وكلمته مسموعة عندهم، بل يقلدونه في كثير من مناحي حياتهم، وسلوكهم ويعتبرونه المثل الأعلى لهم، لذا فإن مسؤولياته كبيرة، وتوجيهاته ضرورية وملحة .