دموع التوبة

دموع التوبة

 دموع التوبة:

أ.م.د ايمن عبد القادر عبد الحليم

       الحمد لله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم , اللهم صل على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد إمام المتقين ،وسيد المرسلين وخاتم النبيين وحبيب رب العالمين، أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع وأول مشفع وأول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم.

وبعد ..

إلى كل قلب طائع ذاق حلاوة الإيمان , وأحس بنعيم القرب من الرحمن , فأصبح لايعمل إلا ما يرضيه , ويتجنب ما يغضبه , أقام بينه وبين الله حبا أساسه الاحساس بعظمة هذا الإله الخالق , المنعم المتفضل على عبيده بأسمى آيات الإحسان , ورحمة الحنان المنان , الكريم ذي الفضل والمنة , يجزي على الحسنة بعشر أمثالها , ويضاعف لمن يشاء , ويجازي على السيئة بمثلها , أو يعفو عمن يشاء؛ ليكون يقينا عندنا انه لا يوجد انسان خالٍ من النوب والاخطاء، فالكمال لله والعصمة لانبيائه، والاعتراف بالخطأ فضيلة، وها نحن بزمن المغريات والملهيات والتطور التكنلوجي، وامامنا الفضائيات والمسلسلات وكل ما يترفه به الشباب لكي يبعدوه او يصرفوه عن طاعة الله عز وجل، سواء بحملات تثقيفية او اعلامية او تشويه لسمعة الاسلام ببعض الحوادث التي عشناها ورميت زورا وبهتانا بهذا الدين العظيم، او محاولة جر الشباب الملتزم للتطرف بها الدين واعتبار التعقيد والانعزال والتشديد هو من اساسياته، كثيرة هي الاساليب والمداخل ولا يسعني المجال للتفصيل ولكن لنجعل النتيجة هي توبة بدموعٍ صادقة، ولنعلم أن ربنا غفور رحيم، نعم والله لو أتيته لا تشرك به شيئًا، ومعك من الخطايا والذنوب ما يضيق به الأفق.. تريد عفوه ومغفرته غفر لك على ما كان منك ولا يبالي، ولو تقربت إليه شبرًا تقرب إليك ذراعًا، ولو تقربت ذراعًا تقرب إليك باعًا، بل لو أتيته تمشي أتاك هرولة جل في علاه، وتقدس في ربوبيته وإلاهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى سبحانه يفرح بتوبتك فرحًا شديدًا يليق بجلاله وعظمته يعدك مغفرة منه وفضلا ويبدل سيئاتك حسنات.

ألم تقرأ قول الحق جل في علاه... { فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 70].

فعندما تتدبر اياته وتبكي ياصاحبي فان دموع المذنبين كنوز غالية عند الله عز وجل، وان انينك له لحن خاص وإيقاع عجيب في قلوب التائبين ، فاق كل مقامات الغناء والطبقات الصوتية، ففيه تنشرح الصدور، وتطيب النفوس، وتعلو وتسمو في اجواء الصالحين، فلا تدمع إلا عين الخائفين، ولا يحن إلا محب، ولا يتحرك قلبه إلا محزون من ذنبه، وقلب العبد في خير ما دام بين الخوف والرجاء

لسان الحال يقول:

أمولاي إني عبد ضعيف..

أتيتك أرغب فيما لديك..

أتيتك أشكو مصاب الذنوب

وهل يشتكى الضر إلا إليك..

فمن بعفوك يا سيدي

فليس اعتمادي إلا عليك

كم أحرقت هذه اللوعة أجفان أهل الوجل قال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53].

الجبار جل جلاله يؤملنا في رحمته { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف: 156].

ويطلب منا الدعاء ويعدنا بالإجابة { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] وينفس عن المكروب بمعيته الخاصة من نصر وتأييد وتوفيق وتسديد { إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [النحل: 128].

اخرج واخرق حجب آفاق ذنبك بدموعك، بتوبتك، بصدقك، الجأ إليه عز وجل، اقرع الباب تجد عنده بوفاء وسخاء وكرم.

وتأمل قوله: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ } [آل عمران: 135].

 

دعوة لكل انسان: اجعل من دموعك، وتوجعك من ذنبك مفتاحًا للولوج إلى الجنة بفضل الله ورحمته وأبشر بغفور رحيم يقبل التوبة عن عباده، أبشر بخير يوم في حياتك إن أنت جددتها بالتوبة الصادقة الناصحة، لا للعودة للذنب، لا للرضا به، لا للتساهل فيه، لا للتمادي عليه، لا للتفكير فيما مضى، وإنما فكر في الإصلاح بالتوبة، والإحسان بالعودة.

       إن وجوه أهل الإحسان توحي لكل أحد بالرضوان؛ لأنهم خلوا بالرحمن فأكسبهم نورًا من نوره.

يأمرك الله بأن تجلو صدأ قلبك بالتوبة فيقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } [التحريم: 8]

ويأمرك الشيطان بأن تزيد من الران على قلبك بالذنوب فيقول: { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ } [النساء: 119]

والحق جل في علاه يخبرك في كتابه، بخطبة الشيطان في الآخرة فيقول: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } [إبراهيم: 22].

ولنردد جميعا قوله تعالى:{ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } [آل عمران: 193، 194].

ونوقد شمعةً بدمعة، ونجعل من كل عبرة فيما مضى معبرا لجسر قادم

 

تنفس الصبح فاستنشق تلاوته

                               واجعل لقلبك بعد الهم متسعاً

وارفع يديك الى الرحمن في ثقةٍ

                               ما خيب الله من صلى اليه ودعا

يا ربنا اعطنا خيرا يرافقنا

                              واذهب الهم والاحزان والوجعا

وصلى اللهم وبارك على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم