واو الثمانية بين الاعتصام والاحتكام

واو الثمانية بين الاعتصام والاحتكام

 واو الثمانية بين الاعتصام والاحتكام

أ.د. أثير طارق نعمان

لتحميل الملف اضغط هنا 

 واو الثمانية هذا هو المصطلح المستعمل لأحد دلالات الواو في العربية، وهو رأي ذهب إليه ابن خالويه والحريري ومجموعة أخرى من المفسرين والشواهد التي يستشهد بها القائلون مجموعة من الآيات الكريمات، لعل أكثرها تمكنا قوله تعالى قوله تعالى: {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} [الكهف :22] فإذا اعتصمت بمحاسن إشارات العلماء في تأليفهم، أمكن أنْ أصرح بمقال لا يخلد إلى الإطالة؛ تفادياً من الوقوع في مساوئ الإملال والاضجار ، معايننا ضرباً من مسائل اللغة مقدما معالجة له لتصويب مسار ما نحن بسبيله، ومتعة العربية تتجلى في بقاء المتخصص في طور المعاينة والمعالجة والمفاتشة من غير ارتواء، مستعرضا ما قاله العلماء الذين يقولون بها، وقرنت ذلك بتخريج العلماء الذين لا يرونها، وقد رتبت من تيسر لي الوقوف على رأيهم بناءً على تاريخ الوفاة ـ عليهم جميعاً رحمة الله ـ ثم بينت في نهاية المقال الرأي الذي خرجتُ به نتيجة الدراسة.

في مراجعة لكتب النحاة لا تجد إشارة إلى مصطلح واو الثمانية في كلام النحويين ممتدا بذلك من سيبويه في كتابه وصولا إلى ابن هشام في مغنيه مع وقفة مطولة عنده أوردها حين لزوم حضورها التزاما بالمنهج الذي اخترته لنفسي في هذا المقال.

فمن الذين نعدم عندهم الإشارة إلى واو الثمانية بما يفضي إلى إنكارها قولا تمثلا بإنكارها تطبيقا أبو إسحاق الزجاج في آية سورة الكهف عنده أن دخول هذه الواو هنا وخروجها واحد، وفائدتها دلالتها على انقطاع القصة وأنّ الشيء قد تم ويستفاد من رأيه أنّه يذهب إلى أنّها مؤكِدةٌ عدتهم، وبعدها ينقطع الخوض بالعدة، ويرى أبو جعفر النحاس أن في المجيء بالواو (وثامنهم) خاصة دون ما تقدم قولان:

1ـ أنّها زائدة أي: في الإعراب لا في المعنى.

2ـ أنّها مصدقة لخبر القائلين بهذا العدد.

ولم يذكر ما يشير إلى أنّها واو الثمانية، وكذلك الزمخشري في كلامه عن آية سورة الكهف قال: فإنّ قلتَ: ما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة؟ ولم دخلت عليها دون الأوليين؟ قلتُ: هي الواو التي تدخل على الجمل الواقعة صفة للنكرة ، كما تدخل على الواقعة حالاً في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر, ومررت بزيد وفي يده سيف، وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف, والدلالة على أنّ اتصافه بها أمر ثابت مستقر؛ وهذه الواو هي التي آذنت بأنّ الذين قالوا سبعة قالوه عن ثابت علم وطمأنينة نفس, ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم. فالزمخشري ـ رحمه الله ـ على إمامته في اللغة لم يتعرض لذكر واو الثمانية، وحاصل قوله عن آية الكهف أنّها مؤكِدة, وعن آية التحريم أنّها فارقة بين متنافيين.

وقال السهيلي عن آية الكهف: "... والذي يليق بهذا الموضع أن تعلم أنّ الواو تدل على تصديق القائلين؛ لأنها عاطفة على كلام مضمر تقديره: نعم وثامنهم كلبهم, وذلك أنّ قائلاً لو قال: أزيدٌ شاعر فقلت له وفقيه كنت قد صدّقته كأنك قلت: نعم هو كذلك وفقيه أيضاً ". فحاصل رأيه أنّ هذه الواو ليست واو الثمانية بل تدل على أنّ الذين قالوا إنّهم سبعة هم الذين قولهم موافق للحقيقة ؛ فهي مؤكدة.

والهروي من أئمة النحو؛ ومع هذا لم يذكر من استعمالات الواو واو الثمانية قال في باب مواضع الواو: في كتابه الذي صنعه في مباحث الحروف وما يختص به كل حرف: " اعلم أنّ للواو اثني عشر موضعًا " ثم عددها ولم يذكر منها واو الثمانية.

أما صاحب كتاب الجنى الداني في حروف المعاني فيجد أن المحققين من النحويين كأمثال أبي علي النحوي لم يثبتوا واو الثمانية، وهي عندهم لا تعدو أن تكون إما عاطفة، وإما واو الحال، ووصف من قال بوجود واو الثمانية أنهم من ضعفة النحويين.

وينكر ابن القيم وجود واو الثمانية إذ قال: " وهذا في غاية البعد ولا دلالة في اللفظ على الثمانية"، وفي بداية حديثه عنها قال : "قولهم إنّ الواو تأتي للثمانية ليس عليه دليل مستقيمٌ وهذا تصريح بضعف رأي القائلين بوجود واو بهذا الاسم في لغة العرب " .

وقال السبكي في كتابه عروس الأفراح: "وأما قولهم واو الثمانية فهو كلام ضعيف ليس له أصل طائل، وإن كان وقع فى كلام كثير من الأئمة واستندوا فيه إلى أن السبعة نهاية العدد عند العرب".

وحين يصل القول إلى ابن هشام  يطيل القول في إثبات إنكارها ويجعل القول بحقيقة وجودها رأيا مغلوطا يضرب به المثل في فساده فتراه يقول: "وأبلغ من هَذِه الْمقَالة فِي الْفساد قَول من أثبت وَاو الثَّمَانِية وَجعل مِنْهَا {سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَقد مضى فِي بَاب الْوَاو أَن ذَلِك لَا حَقِيقَة لَهُ".

وفي المقابل من هذه الأقوال حُكي عن ابن خالويه انه ذكر مصطلح واو الثمانية في مناظرة بينه وبين أبي علي النحوي نقلها غير واحد منهم ابن عطية في المحرر الوجيز في معنى قوله ((وَفُتِحَتْ أَبْوابُها)) [الزمر: 73] ، وأنكرها أبو علي، وحكى الثعالبي أن "والثمانية مستعملة في كلام العرب" وتبعه الحريري في درة الغواص بالقول" من خَصَائِص لُغَة الْعَرَب إِلْحَاق الْوَاو فِي الثَّامِن من الْعدَد"

وفي مراجعة مستفيضة لأقوال منكري وجود واو الثمانية تجد دلالة الواو عندهم تقف عند الحدود الآتية:

1ـ أنّها الواو التي تدخل على الجمل الواقعة صفة للنكرة.

2ـ توكيد لصوق الصفة بالموصوف.

3 ـ الدلالة على أنّ اتّصاف الموصوف بالصفة ثابت مستقر.

3ـ الدلالة على القطع والثبات في الإخبار.

وبين العرضين السابقين ولكي نتمكن من الإجابة على السؤال الآتي: هل لمصطلح واو الثمانية حقيقة واستعمال في لغة العرب كما لسائر مسميات النحو ؟  نورد النتائج الآتية:

1- إن استعراض المكانة اللغوية للفريقين ووجاهة التسمية وكثرة شواهدها نجد أنّ كفة الذين لا يقولون بها هي الأرجح؛ لهذا , ولقلة الشواهد , ولأنّ القول بها لا يعدو- برأيي - أن يكون تفسيرا بيانيا أكثر منه تقعيدا نحويا.

3- في قراءة تحليلية لكلام ابن هشام نجد فيه تضعيفًا لرأي ابن خالويه والحريري، فأما الأول فلأنه من ضعفة النحويين، وأما الحريري - مع مكانته في اللغة - كونه من الأدباء، فهم يرون أن الأدباء ليسوا من الذين يعتد برأيهم في المسائل النحوية والصرفية، لأنّ الإنتاج الأدبي الغالب فيه تأثره بالحالة الشعورية التي تصحب الأديب ساعة إفراز العمل الأدبي فتجدهم يهتمون بالمعاني والسبك أكثر من عنايتهم بقواعد اللغة، ومن هنا يرى النحويون أنّ الأديب الذي غلب عليه الأدب لا يعول على رأيه في مسائل النحو, وإنما قد يستأنس به، وفي ذلك نظر فلولا شعرهم وأدبهم لعدمت العربية قواعد لم ترد مستعملة على لسان غيرهم.

2- في آية سورة الكهف وهي قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} نرى المنكرين يقولون بأنها عاطفة للتصديق، أي تصديق خبر عدتهم أنّهم ثمانية، فإذا كان المراد منها التصديق فما وجه مجيء "قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل" ؟ .

3 – في قوله تعالى في صفة الجنة: {وفُتحت أبوابه} بالواو ؛ لأنها ثمانية، وفي صفة النار نعوذ بالله منها : {فُتحت أبوابها} بغير واو لأنّها سبعة، يحتمل كذلك بأنه ابلغ في مفاجأة المكروه، وأمّا الجنة فلما كانت دار كرامة وهي مأدبة الله أتى بالواو العاطفة ههنا الدالة على أنهم جاؤوها بعدما فتحت أبوابها فكلا القولين يحتملان القبول والرد إذ لا دليل عليهما من كلام العرب.

4- في قوله تعالى: {ثيبات وأبكاراً} يرجح أن تكون هذه الواو واو الثمانية؛ لأنّ الواو لو أسقطت فيه لاستحال المعنى؛ لتناقض الصفتين.

أقول: باحتمال ولا أقول بقطع أنه يمكن من وجهة نظر التطور الدلالي الذي يعتري اللغات الحية أن نعد واو الثمانية حرف عطف أصابها تطور دلالي بفضل أسلوب القرآن الكريم كما أصاب دلالات كثير من الأسماء كالكفر والنفاق والزكاة فهي واو عاطفة زيدت لتوكيد صحة العدد، وبذلك تكون قد اكتسبت دلالةً جديدةً لم تكن معهودة إلى جانب دلالتها على مطلق التشريك. والله اعلم بالصواب.