مقال للتدريسي عمر هلال

مقال للتدريسي عمر هلال

عِلم الصّرف وأثرُه لدى طالب العلم

The impact of morphology on the student of knowledge

م.م عمر هلال خلف

       الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على رسولنا الكريم "محمّد" وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد

فإنّ علم الصّرف من العلوم التي لا يمكن الاستغناء عنها، ذلك لأنّه أساس علوم اللغة العربية، ولا يمكن لطالب أو عالم أن يُبحر في علوم اللغة ما لم يكن لديه علم كاف بالصّرف.

يقولُ ابنُ عصفور عن أهمّيّة الصّرف: ( والتّصريف أشرف شَطرَي العربية، وأغمضُهما؛ فالذي يبيّن شرفَه، احتياجُ جميع المشتغلين باللغة العربية؛ من نَحوي ولغوي إليه أيّما حاجة، لأنّه ميزان العربيّة، ألا ترى أنّه قد يُؤخذ جزءٌ كبير من اللغة بالقياس، ولا يُوصل إلى ذلك إلا عن طريق التّصريف..).([1])

والصّرف لدى علماء اللغة هو التغيير والتحويل، ومن ذلك قوله تعالى: { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} "البقرة 146" أي: تغيير وجهتها.

و"التصريف" أكثر ما يقال في صرف الشيء من حالة إلى حالة، ومن أمر إلى أمر، ومن الصّرف اشتقّ لفظ "الصَّيرفي" وذلك لتصريفه الدراهم والدنانير.

والصّرف اصطلاحا: علم بأصول تُعرَف بها أبنية الكلمات العربيّة وأحوالُها، التي ليست بإعراب ولا بناء.

      ولهذا فعلم الصّرف يدرس الكلمة "مفردة" أي: بمعزل عن الجملة، قبل أن تنتظم في تركيب، يبحث فيها من حيث صيغتها، وما يعتريها من تحويل أو حذف أو إبدال أو إعلال..

     وكذلك يختصّ علم الصّرف بدراسة الأسماء المعربة، والأفعال المتصرّفة، فلا يختصّ بدراسة الأسماء المبنيّة، مثل: كيف، لم ..، ولا بدراسة الأفعال الجامدة، مثل: حبّذا، عسى..

ولا يختصّ علم الصّرف بدراسة الحروف أيضا، مثل: لم، في ..

     ومن الجدير بالذكر أنّ علم الصّرف استقلّ عن النّحو على يد معاذ بن مسلم الهرّاء([2])، بعدما كانت المؤلّفات تشتمل على مباحث النّحو ومباحث الصّرف معا، كما جاء في كتاب سيبويه([3]) والذي عُرِف باسم "الكتاب".

    وقد ورد لفظ "صرف" في القرآن الكريم بصيغة الفعل، كقوله تعالى: { انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } "الأنعام 46"، وقوله تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } "يوسف 34".

   وكذلك ورد بصيغة الاسم كقوله تعالى: { أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ } "هود 8" ، وقوله تعالى: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } "الفرقان 19".

وقد جاء لفظ "صرف" في القرآن الكريم بمعانٍ مختلفة منها:

- صرف بمعنى "بيّن" كما في قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَ?ذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا } "الإسراء 41"، أي: "بيّنا".

- وتأتي بمعنى "دفع" كما في قوله تعالى: { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } " يوسف 33" أي: "تُبعد".

- وقد تأتي بمعنى "وجّه" بالتشديد، ومن ذلك قوله تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ..}            "الأحقاف 29"، أي: "وجّهنا".

      وهكذا وجدنا كيف أنّ علم الصّرف يهتمّ بدراسة الكلمة لوحدها، خلافا لعلم النّحو "والذي يدرس الكلمة وهي مركّبة في جملة".

     علم الصّرف يدرس الكلمة من حيث صيغتها ووزنها وحروفها المعتلّة من الصحيحة والمجرّدة من المزيدة، وما قد يحصل لبعض حروفها من قلب أو إعلال أو حذف أو إبدال..

ولهذا يعدّ علم الصّرف من أهمّ علوم اللغة العربية بل وأساسها.

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 


) الممتع في التصريف لابن عصفور: 1/27[1](

) أبو مسلم معاذ بن مسلم الهراء النحوي الكوفي، توفي سنة: 187 هـ.[2](

) هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي، يكنى أبو بشر، الملقب سيبويه، هو إمام النحاة وأوّل من بسّط علم النّحو، ولد سنة: 148هـ، وتوفي سنة 180هـ.[3](