مقال للدكتور احمد عبد الرزاق

مقال للدكتور احمد عبد الرزاق

 مقالة بعنوان وزن أعمال العباد في دار المعاد

The weight of the servants' deeds in Dar Al-Ma'ad

أ.د. احمد عبد الرزاق خلف الدليمي

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

كل مؤمن يعلم قطعاً أنه سيحاسب على أعماله يوم القيامة في الدار الآخرة ، وإلا

لا يكون مؤمناً إن أنكر ذلك ، لأن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان ، لكن ربما الكثير لا يعرف كيفية الحساب ، ولا كيف توزن أعماله من الحسنات والسيئات ،وما هو الذي يوضع في الميزان ، ولبيان ذلك وتوضيحه أذكر ثلاثة أقوال وآراء في هذا الموضوع .

 القول الأول : ان الذي يوزن هو صحائف الأعمال التي كتبت فيها أعمال الناس ، وهي السجلات التي دونت فيها الصغائر والكبائر . وأصحاب هذا القول استدلوا على ذلك  بقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً، أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول: بل إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله  , فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم. قال :  فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء» [1] .

   وفي حديث صاحب البطاقة دليل على أن صحائف الأعمال توزن

والقول الثاني : ان الذي يوزن هو الشخص العامل نفسه ، واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه انه كان يجتني سواكاً من الأراك , وكان دقيق الساقين , فجعلت الريح تكفؤه , فضحك القوم منه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ممَ تضحكون ؟ قالوا : يا نبي الله , من دقة ساقيه . فقال : والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد . [2]

أما القول الثالث : فأصحابه يقولون : ان الذي يوزن هي الأعمال نفسها ، لا صحائفها التي تسجل فيها ، ولا صاحبها الذي يقوم بها ، بل هي نفسها الحسنات والسيئات تتحول إلى أجسام توزن ، فبعد أن كانت أعراضاً معنوية تصبح أجساماً مادية بقدرة الله تعالى ، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:" الطهور شطر الأيمان, والحمد لله تملأُ الميزان " [3]

 وقوله صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن , ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده , سبحان الله العظيم " [4]

ها قد عرفنا كيفية الوزن ، لكن ما الحكمة من الميزان أذا كان الله تعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة ويعلم كل شيء ؟

إن الحكمة من وزن الأعمال كما يقول الإمام الغزالي : لتَصِير مقادير أَعمال الْعباد مَعْلُومَة للعباد حَتَّى يظْهر لَهُم الْعدْل فِي الْعقَاب أَو الْفضل فِي الْعَفو وتضعيف الثَّوَاب " [5]

     ليعرف العباد مالهم وما عليهم من الخير والشر , فتقام الحجة عليهم, ويشاهد العبد مقدار أعماله ويعلم أنه مجزي بها بالعدل أو يتجاوز عنه باللطف .



[1] - اخرجه الترمذي ج5 , ص24 , رقم الحديث (  2639 )  وقال حديث حسن غريب , واخرجه ابن ماجة في سننه ج5 , ص356 , رقم الحديث ( 4300 ) .وصححه الحاكم وقال على شرط مسلم  , ج1 , ص46 , كتاب الإيمان .

[2] -  مسند الامام احمد , ج7 , ص99 , رقم الحديث ( 3991) , وهو حديث حسن

[3] - صحيح مسلم ,  كتاب الطهارة , باب فضل الوضوء , ج1 , ص 203 , رقم الحديث ( 223) حديث عن ابي مالك الأشعري

[4] - صحيح البخاري , كتاب الأيمان والنذور ,ج8 , ص139 , رقم الحديث ( 6682 ) .

[5] -  قواعد العقائد , الإمام الغزالي , ص223 .