مقال للدكتور فائز محمد

مقال للدكتور فائز محمد

 علاج عجز الموازنة العامة في النظام الاقتصادي الإسلامي

The Islamic economic system's approach to the general budget deficit

أ.م.د. فائز محمد جمعة الكبيسي

جامعة الانبار/ كلية العلوم الإسلامية/ قسم الفقه واصوله

الحمد لله الرحمن، خلق الإنسان علمه البيان، وأنزل الكتاب بالحق والميزان، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فالمال قوام الحياة، وسبب من أسباب استمرارها، وهو ضرورة للفرد والدولة، فالفرد لا يمكنه العيش بلا مال يحصل من خلاله على ضروريات حياته، وأسباب عيشه، وكذلك الدولة لا تتمكن بغير المال من أداء وظائفها والقيام بواجباتها، وتحقيق مصالح أفرادها.

ونظراً لأهمية الأموال العامة فقد أفرد له علماء المسلمين المؤلفات وصنفوا في أحكامه المصنفات، ككتاب (الخراج) لأبي يوسف، (الأموال) لأبي عبيد وابن زنجويه، و(الأحكام السلطانية) للماوردي ولأبي يعلى الفراء وغيرها من المصنفات لعلماء المسلمين.

ولما كان المال العام بتلك الأهمية، وكانت الموازنة هي أحدى الأساليب التي تنظم الدولة بواسطتها تلك الأموال، حيث تخطط الدولة عن طريقها الإيرادات والنفقات العامة على نحو الذي يحقق أهدافاً معينة، وان النظام الاقتصادي الإسلامي يوجب على  الدولة القوامة والاعتدال في الإنفاق وعدم الإسراف والتقتير، قال تعالى (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَ?لِكَ قَوَامًا)) .

ان الموازنة أداة لإدارة الحكومة للمال العام، إلا انه قد أسيء استخدامها في الوقت الحاضر في حفظ المال العام، بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية وسوء تصرف، مما أدى إلى حدوث عجز في الموازنة العامة، وقد وضع النظام الاقتصادي الإسلامي عدة طرق من أجل علاج العجز في الميزانية العامة.

فقد عرفت الموازنة بأنها: "تقدير مفصل ومعتمد للإيرادات والنفقات العامة لمدة زمنية مقبلة غالبا ما تكون سنة، وتعمل على تحقيق الأهداف العامة التي تتبناها الدولة، فهذا التعريف يتكون من عدة عناصر.

هناك أسباب عدة تحدث العجز في الموازنة العامة سواء في الاقتصاد الإسلامي أو الوضعي، ومن أهم أسباب العجز: الأزمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية، الحروب والفتن، سوء تصرف الإدارة العامة، انقطاع بعض الإيرادات العامة.

معالجة العجز في الموازنة العامة في الاقتصاد الإسلامي

كثر في السنوات الأخيرة حدوث عجز في الميزانية العامة مما دفع الحكومات إلى البحث عن وسائل ونظم وضعية لتساعد في التخفيف من حدة العجز ومعالجته، فبعض الدول اتجهت نحو الاشتراكية والبعض الأخر اتجهت نحو الرأسمالية ومنها الدول الإسلامية تاركة النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يكفل للدولة الخير والرفاهية، فقد وضع النظام الاقتصادي الإسلامي عدة وسائل من اجل مواجهة الأزمات الاقتصادية، ومن أهم تلك الوسائل:

1-  فرض الضرائب. وان في المال حق سوى الزكاة من فك الأسير وإطعام المضطر والمواساة في العسر وصلة القرابة، وقد أجاز بعض فقهاء المذاهب فرض الضرائب عند الحاجة واستدلوا على ذلك بما يأتي:قال تعالى: ((... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ...)).

2-  تعجيل الزكاة، يجوز في النظام الاقتصادي الإسلامي لجوء الدولة إلى تعجيل زكاة الأموال من أجل سد العجز في الموازنة العامة لتمويل بعض الحاجات الضرورية، وتعجيل الزكاة أي حث الأفراد على أخراج زكاة أموالهم قبل حلول وقتها دون إجبار لان الأصل لا يلزم التعجيل بها قبل وقتها، فقد جاء عن الحكم-t-((أن رسول الله -r- بعث عمر على الصدقة، فأتى العباس يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجلت لرسول الله  -r- صدقة سنتين، فتجهم له عمر وأغلظ عليه، فرافعه إلى رسول الله -r- فقال: ((صدق يا عمر، قد تعجلنا منه صدقة سنتين)).

3-  القروض. قال الجويني -رحمه الله- جواز الاستقراض بقوله "لست أمنع الإمام من الاقتراض على بيت المال، إن رأى ذلك استطابه للقلوب، وتوصلا إلى تيسير الوصول إلى المال، مهما اتفقت واقعة أو هجمت هاجمة، والذي قدمته ليس تحريما للاستقراض، ولكنه تمهيد لما يسوغ للإمام أن يفعله، والأمر موكول إلى رأيه، أو استصوابه في افتتاح كل أمره ومآبه".

4-   أملاك الدولة. يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على ثلاثة أنواع من الملكيات (ملكية خاصة وملكية عامة وملكية دولة)، وملكية الدولة والملكية العامة شأنها شأن الملكية الخاصة، حيث يمكن ان تتسع وتقل حسب الظروف، وبهدف تقليل نسبة العجز في الميزانية العامة تقوم الدولة ببيع أو المشاركة في بعض ممتلكاتها لتغطية نفقاتها العامة إذا كان في ذلك مصلحة عامة، وفي هذا يقول ابن عابدين- رحمه الله تعالى-: "أن للإمام ولاية عامة، وله أن يتصرف في مصالح المسلمين والاعتياض عن المشترك العام جائز من الإمام؛ ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه".

5-  الإصدار النقدي ان الإصدار النقدي وظيفة من وظائف المصرف المركزي، وقد نشأت هذه الوظيفة نتيجة لشيوع التعامل بالأوراق النقدية، ونظراً للمسؤوليات المنوطه بالدولة، قال الإمام احمد-رحمه الله- في ضرب الدراهم: (لا يصح الضرب إلا في دار الضرب بإذن السلطان)، ويقول الإمام النووي -رحمه الله-: (ويكره أيضاً لغير الإمام ضرب الدراهم والدنانير وإن كانت خالصة لأنه من شأن الإمام ولأنه لا يؤمن فيه الغش والإفساد).