مقال للدكتورة نضال علي

مقال للدكتورة نضال علي

 (( حجاب المرأة حق من حقوقها ))

 

بقلم أ.م.د. نضال علي حسين الرشيد

    حفظ الاسلام للمرأة كرامتها، وأعاد لها حقوقها المهدورة، وحررها من قيود العبودية ومرارة ذلها، ورفع من شأنها وأعلى من قدرها ومكانتها، وشرع لها حقوق تكفل لها العيش الكريم، وتصون عفافها، وتحفظ حريتها، وتحترم رأيها ورغباتها، وتراعي فطرتها وانوثتها، وفرض عليها واجبات تضبط علاقتها مع أفراد المجتمع  وتحمي عرضها وتحفظ كرامتها، وتصون حرمة أخلاقها.  وقد ورد في القرآن الكريم إيجاب الحجاب وورد فيه أيضاً ان الحجاب حقٌّ من حقوقها بنفس الآية، ولكنهم تمسكوا بوجوب حجابها وتغافلوا عن حقها فيه، يقول الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب:59).

 فالآية هنا قد ذكرت الحجاب وعلته، والعلة هنا هي في مصطلح الأصوليين منصوصة- والمنصوصة متفق عليها ولا يمكن البحث عن غيرها ، وهذا يعني ان الحجاب فرضٌ على المؤمنات كي لا يتعرضن للأذى ولم يحدد القرآن الكريم نوعاً محدداً للأذى فهو عام في كل أنواعه ، وان يكن المفسرون ذكروا له نوعاً – وهو منع أهل النفاق الذين يطلبون النساء فيبتغون السوء بهن- فما يدريهم أن له أسباباً أخرى لم يدركوها.

   أذن فالحجاب حق من حقوق المرأة، يحفظ لها كرامتها ومكانتها من أن تبتذل وتهان، وهذه الكرامة والمكانة سارية المفعول منذ نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة.  وحين نعود إلى أسباب نزول آيات الحجاب يتبين لنا أن الحجاب لم يفرض إلاّ للمحافظة على المرأة من الامتهان، فقد جاء في التفسير كانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة، وقد كان في المدينة بعض الفساق  فيتعرضون لها ظنا منهم أنها أمة، وقد كن نساء العرب الحرائر يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، فكان ذلك داعية إلى نظر الرجال الفجار إليهن، فتأذت النساء من هذا التصرف السيء فشكون ذلك إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)، فنزلت آيات الحجاب، فأمر الله تعالى رسوله العظيم أن يأمرهن يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا أردن الخروج لقضاء حوائجهن، فيعلم أنهن حرائر ويميزن من الإماء والقينات، وليكون شعيرة تعلم هؤلاء الفساق الطامعين ان لا يحق لهم التعرض لهن بأذى من قول أو ريبة أو المساس بكرامتهن،  فقد روي عن أم سلمة(رضي اله عنها) انها قالت: " لمَّا نَزَلَتْ:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأَكْسِيَةِ " .

  ولعلّ قائل يقول : لِمَ فرق الإسلام بين الحرة والأمة؟ أ ليست الأمة امرأة ولا يجوز ايذاؤها كما هو الحال في الحرة ؟! والجواب أنه نوع من التخفيف والرأفة بحق الأمة وتسهيل عملها لكثرة الحاجة إليها، حيث انَّها خادمة تعمل في بيت سيدها فتقوم على جلب الماء والحطب وغيرهما، فإذا ما قيدت بالحجاب فإن في ذلك مشقة بالغة عليها، فربما سيتسبب بتعثرها في ثوبها، وسقوطها من سرعة الحركة، والدأب في عملها، مع عدم تشوف النفوس إليهن، فلم تلزم بالحجاب كما تلزم به الحرة.

    وقد يقال: لماذا كان عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) يمنع الإماء ان يضعن الحجاب ويطالبهن بعدم التشبه بالحرائر؟ أليست الأمة امرأة وموضع للفتنة؟! .    وهذه مسألة أخرى تحتاج الى دراسة وتحقيق، فالتفريق بين الحرة والأمة في اللباس ليس أمراً مجمعاً عليه، ولم يثبت في التمييز بينهما دليل ثابت وصريح، فهو مخالف لعموم قوله تعالى: { وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِين } الذي ظاهره يشمل الحرائر والإماء، وقد تكون الفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح،  وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجب على الأمة ما يجب على الحرة، من ستر الرأس والشعر، بل بالغ بعضهم وتساهل فجعل عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة، ورأى البعض إن عورة الأمة كعورة الحرة، وإن علة الحجاب هي منع الفتنة وليس الحرية، وأن التمييز بين الحرة والأمة هو حكمة من الحِكم وليس بعلة، وحِكم فرض الحجاب كثيرة، وقد جاءت الشريعة بسد أبواب الفتنة بكل طريق،  ولم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى المرأة الأجنبية، قال تعالى:{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ }، فإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب، ووجب عليها أن تحتجب.

     وسؤال آخر، لِمَ أبقاها تحت استهتار المنحرفين؟ وهل يعني هذا أن التعرض للإماء جائز ومرخص فيه ؟!، والجواب ليس كذلك، بل وضع عقوبات صارمة لمن يرتكب جريمة في حق المرأة الأمة، وهي وإن كانت أخف مما في حق الحرة إلاّ انّها كافية في الردع.

     ومن المهم جداً أن نذكر أن المرأة قد كانت تطالب حجاباً أكبر مما أمرت به، فهذه أم سلمة(رضي الله عنها) تسأل الرسول(عليه الصلاة والسلام) أن يسمح للمرأة أن تطيل من ثوبها يجر وراءها ذراعاً ليكون استر لهن، فرفض(صلى الله عليه وسلم) ذلك، ولم يرخص لها إلاّ بجره شبراً.   والحجاب حين يضاف إلى التشريعات الأخرى للمرأة لا يكون عائقاً أمامها عن أي شيء من واجباتها فهي قادرة على أن تعمل وفق ما هي مؤهلة للعمل به، بعد أن أغناها الله تعالى مؤمنة العمل الشاق بإسناده إلى الرجل، وأنه ملزم بالإنفاق عليها.

  هذا والحجاب إذ فرض فهو لجمال الحجاب لا لحجب الجمال، ولزيادة البرهان نذكر الآتي:  لو أجرينا استقراء لكل الفتيات ممن ترتدي الحجاب ومن لم ترتده وكان السؤال: أي شيء أغلى قيمة لديك أيتها الفتاة؟، فلا شك ان نتيجة الاستقراء هذا ستوصل إلى نتيجة حاسمة إن لم يكن بنسبة100% فإنها لن تكون أقل من80% بإنَّ أعلى قيمة لديها هو شرفها، ولو استقرأنا المتعرضات للتحرش بين المحجبات، وغير المحجبات لتبين إن أكثرية التحرش، والاعتداء الجنسي لغير المحجبات، وما حصل للمحجبات هو النسبة الأقل، وبالجمع بين الاستقرائيين تبين لنا أنَّ الحجاب حق للمرأة، وإن كان واجباً ، وهنا نجد نساء اليوم في الاغلب قد ارتدين الحجاب من غير أكراه، ولا طلب من  سلطة وإنما وجدوا فيه مأمناً من انتهاك كرامتهن.

     لقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة أهمية الحجاب في حياة المرأة كوقاية من الأمراض القاتلة، وأن تغطية الجسم ضرورة كبيرة للحماية من أشعة الشمس فوق البنفسجية المتوسطة المدى، والقصيرة المدى فإنَّ تبرج المرأة وعريها يعد خطرا عليها حيث أشارت الإحصائيات الحالية أنَّ 85% من النساء اللواتي يترددن على مراكز العلاج من مرض سرطان الجلد هن من اللواتي يرتدين ملابس شبه عارية أو قصيرة مظهرة كل مفاتنها، وهذا يجعل اغلب جسمهن معرضاً لتلك الأشعة الضارة ورغم استخدامهن لمراهم وكريمات تقي بشرتهن من أشعة الشمس، وهذا بيان واضح  أن الحجاب والاحتشام خير وقاية من عذاب الدنيا المتمثل في هذا المرض القاتل فضلا عن عذاب الآخرة ، هذا وقد نشرت مجلة عالمية تقريرا يشير إلى إن نسبة جرائم الخطف والاعتداء الجنسي ضد الفتيات المتبرجات، أو اللواتي يرتدين ملابس غير محتشمة تزداد بشكل مستمر، وقد تبين لدى ان 82% من تلك الجرائم كانت بسبب تبرجهن ارتدائهن ملابس غير محتشمة فكان بدوره عاملا مهما في إغراء الشباب الفاجر نحو القيام بتلك الجرائم البشعة. ومن هنا نرى أهمية ان الحجاب للمرأة  جاء حراسة شرعية لصيانة عرضها وعفتها ووقاية لها من كل الامراض الجسدية والنفسية.