جهود علماء الامة ومصلحيها في نبذ العنف واشاعة السلم المجتمعي- الجزء الثاني

جهود علماء الامة ومصلحيها في نبذ العنف واشاعة السلم المجتمعي- الجزء الثاني

 جهود علماء الامة ومصلحيها في نبذ العنف واشاعة السلم المجتمعي- الجزء الثاني

ا.د عبد الرحمن حمدي شافي

فإن المسلم الحق قد حمّل أمانة النصح لله ورسوله عليه الصلاة والسلام ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم وكل مسلم حمل أمانة هذا الدين والدفاع عنه ونشره بأفضل صورة فأي خلل يحصل في تبليغه والدعوة اليه أو تطبيقه يعد خيانة لهذه الأمانة .

يقول ابن القيم رحمه الله :( فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم ، طالب للدليل ، محكم له، متبع للحق حيث كان ، وأين كان ، ومع من كان، زالت الوحشة ، وحصلت الألفة ، ولو خالفك ، فإنه يخالفك ويعذرك.والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ، ويكفرك أو يبدعك بلا حجة، وذنبك : رغبتك عن طريقته الوخيمة ، وسيرته الذميمة ، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب ، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم ، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم )

الاسلام هو السلام

قال سبحانه (ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )البقرة 208 ومهما قيل في تفسير الآية فهي بالنتيجة دعوة للسلام ووصف لكل الإسلام بالسلام فقد قرئت هذه الآية  بلفظ السلام في قراءة ابن كثير ونافع والكسائي  وحتى لو قيل إن المراد بها الدخول في الإسلام فلم تقل الآية ادخلوا في الإسلام بل عبرت عن هذا الدين كله بلفظ السلام في إشارة إلى أن رسالة هذا الدين بث الطمأنية والأمان في كل الدنيا وكل البقاع التي سينتشر فيها .   فهي دعوة عامة للسلام وترك الاحتراب والتنازع وقد ركز الاسلام على وصف الاسلام وتسميته بالسلام فقال سبحانه (ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا) يقصد اعلن الاسلام ولعل الله تعالى جعلها أول كلمة يسمعها المسلمون منه يوم الحشر ليأمنهم ويطمئنهم لأنهم في موقف رهيب مخيف لايدرون ماذا سيحل بهم قال سبحانه (تحيتهم يوم يلقونه سلام) ولنشر المحبة بيهم قال (افشوا السلام بينكم) وهذا تنفيذ لقوله سبحانه (وقولوا للناس حسنا) البقرة 83 في خطاب غير المسلمين قال الباقر وعطاء وعكرمة (للناس كلهم) وكان اسد بن وداعة (136 هـ) يخرج من منزله فلا يلقى يهوديا ولا نصرانيا الا سلم عليه فقيل له ما شانك تسلم على اليهودي والنصراني فقال ان الله يقول وقولوا للناس حسنا وهو السلام

وقال أبو العالية( قولوا لهم الطيب من القول وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به وهذا كله حض على مكارم الأخلاق فينبغي للأنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى مذهبه لأن الله تعالى قال لموسى وهارون (فقولا له قولا لينا) فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون والفاجر ليس بأخبث من فرعون وقد أمرهما الله تعالى باللين معه

وقال طلحة بن عمر قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل فيّ حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ فقال لا تفعل يقول الله تعالى (وقولوا للناس حسنا) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي ) أما بين المسلمين أنفسهم فقد قال سبحانه (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ) الإسراء53

المسلم الحق لا يحكم بكفر مسلم وان صدر منه فعل يؤدي الى معنى أو حكم كفري لأنه يحكم بكثرة المحاسن اذ لايوجد بشر يخلو من خطأ لكن ان فحش الخطا وصار منهجا للشخص بنى على قوله تعالى (واثمهما اكبر من نفعهما)

ولذلك لما سئل ابن حجر عمن كفر الشيخ ابن تيمية بسبب بعض ارائه قال في  تقريظه على الرد الوافر لا يُطلق في ابن تيمية أنه كافر إلا احد رجلين إما كافر حقيقة وإما جاهل بحاله فإن الرجل كان من كبار المسلمين إلا أن له مسائل اختارها من مقالات المسلمين يلزم من بعضها الكفر عند بعض أهل العلم دون بعض ولازم المذهب ليس بمذهب ولم يزل المذكور داعية إلى الإيمان بالله تعالى طول عمره وقد أثنى عليه وعلى علمه ودينه وزهده جميع الطوائف من أهل عصره حتى ممن كان يخالفه في الاعتقاد والله المستعان

ولنأت الى ابن تيمية نفسه والذي اشتهر بالشدة والصرامة فاظهرت أقواله الشديدة وطمست اقواله الطيبة ولا معنى لذلك الا لقصد سيء لنشر العنف بين المسلمين يقول :( إنّي من أعظم الناس نهيًا أن يُنسب معيّن إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة , وفاسقًا أخرى , عاصيًا أُخرى , وإني أقرر أن الله غفر لهذه الأمة خطأها , وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبريّة القوليّة , والمسائل العلميّة , وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية) مجموع الفتاوى (3/229). ويقول ايضا (ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته) مجموع الفتاوى (3/179).

فانظر الى استنكار العلماء  على تكفير المسلم

وكيف يكفر من ثبت له اسم الاسلام بالصلاة والقبلة ففي الصحيح ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته)

 وروى البيهقي عن أبي علي زاهر بن أحمد السرخسي أنه قال  ( لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري رحمه الله في داري ببغداد دعاني فأتيته فقال اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات)

ولذلك ذهب معظم أهل السنة إلى عدم تكفير حتى من قال قولا يقود إلى الكفر بالإجماع كمن قال : ان الله تعالى ليس بعالم رغم أن المعتزلة يكفرونه فهم يكفرون خصومهم بينما معظم الشافعية يقولون لا يكفر ..... وأما من علم وجود الرب ولكن فعل فعلا أو قال قولا أجمعت الامة على أنه لا يصدر الا من كافر فلا يكفر ومعظم كلام أبى الحسن الأشعري يدل على هذا  . وقد نسب إلى الامام مالك أنه قال: ( من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، ويحتمل الايمان من وجه، حمل أمره على الايمان ). وما أجمل قول الحبيب r (ما من أمة إلا وبعضها في النار وبعضها في الجنة إلا أمتي فإنها كلها في الجنة)والحديث في صحيح الجامع .

قال ابن تيمية ( وَأَمَّا " الْأَشْعَرِيَّةُ " فَلَا يَرَوْنَ السَّيْفَ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ أَقْرَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ ).

ويقول ابن تيمية مع ما اشتهر من خلافه مع الأشاعرة في العقائد ، يقول هو فيهم : ( والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة وأنا كنت من أعظم الناس تأليفا لقلوب المسلمين وطلبا لاتفاق كلمتهم واتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله وازلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة وبينت لهم أن الأشعرى كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد رحمه الله ونحوه المنتصرين لطريقه كما يذكر الأشعرى ذلك في كتبه وكما قال أبو إسحاق الشيرازى انما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم إلى الحنابلة وكان أئمة الحنابلة المتقدمين كأبى بكر عبد العزيز وأبى الحسن التميمى ونحوهما يذكرون كلامه في كتبهم بل كان عند متقدميهم كابن عقيل عند المتأخرين ...وكنت أقرر هذا للحنبلية وأبين أن الأشعرى وان كان من تلامذة المعتزلة لكنه  رجع ... وكذلك ابن عقيل كان تلميذ ابن الوليد وابن التبان المعتزليين ثم رجع من ذلك ورجوعه مشهور بحضرة الشريف ابى جعفر وكما أن في أصحاب أحمد من يبغض إبن عقيل ويذمه فالذين يذمون الأشعرى ليسوا مختصين بأصحاب أحمد بل في جميع الطوائف من هو كذلك ولما أظهرت كلام الأشعرى ورآه الحنبلية قالوا هذا خير من كلام الشيخ الموفق وفرح المسلمون باتفاق الكلمة وأظهرت ما ذكره بن عساكر في مناقبه أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن القشيرى فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة ومعلوم أن في جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم مع أنى في عمرى إلى ساعتى هذه لم أدع أحدا قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلى وغير حنبلى ولا انتصرت لذلك ولا أذكره في كلامى ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها)

وما أجمل قول ابن الجوزي (ومتى ورد حديث فيه نظر بينت ما جاء في علته وأظهرت فساده من صحته ولا فرق بين أن يكون حجة لنا أو يلزمنا الخصم به إلزاما لأني أعتقد العصبية في مثل هذا حراما )

قال الذهبي عن ابن حزم (ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح، ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل، والمسائل البشعة في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفّره ولا أضلّله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين ، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه)

 

وقال ابن القيم -عن الاختلاف في المسائل الاجتهادية-: (وهذا النوع من الاختلاف، لا يوجب معاداة ولا افتراقاً في الكلمة ولا تبديداً للشمل، فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع... فلم ينصب بعضهم لبعض عداوة، ولا قطع بينه وبينه عصمة، بل كانوا كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه، ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصافاة والموالاة، من غير أن يضمر بعضهم لبعض ضغناً، ولا ينطوي له على معتبة، ولا ذم بل يدل المستفتي عليه، مع مخالفته له ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه، فهذا الاختلاف أصحابه بين الأجرين والأجر وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده وتحريه الحق )

 

وقد روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يتنازعان في المسألة بينهما حتى يقول الناظر إليهما لا يجتمعان أبدا فما يفترقان إلا على أحسنه وأجمله)

وقال: (وأما من بلغ به الحال إلى الاختلاف والتفرق حتى يوالى ويعادى ويقاتل على مثل هذا ونحوه مما سوغه الله تعالى كما يفعله بعض أهل المشرق فهؤلاء من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) ومعلوم ان الله تعالى يقول (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)

ولاشك ان المسلم الملتزم بدينه يحرص على التحلي بكل الضوابط والصفات التي طلبها دينه منه في صفاته او مواصفاته وخلقه وتفاصيل حياته .

هو غيور على دينه يغضب إذا انتهكت محارمه لكن غضبه لا يخرجه عن حد الاعتدال لان دينه اوصاه ان لا يتمادى في الغضب فيتجاوز الحدود .

وهو حليم ورفيق لين لإخوانه لأن دينه يأمر بالرفق وربه سبحانه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف . وييسر ولا يتشدد لان نبيه صلى الله عليه وسلم يقول  ( إن الله رضي لهذه الأمة اليسر و كره لها العسر {قالها ثلاث مرات}   .

وهو سليم الصدر تجاه أهل ملته وإن خالفوه في الرأي لأن سلامة الصدر هي التي تنفعه يوم لقائه بربه وأهل الجنة لن يدخلوها إلا وقد نزع من صدورهم ذلك (ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين)

ولذلك هو حسن الظن بكل مسلم فلا يبدر منه تجاههم الا الخير والنفع والرحمة لأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده  بل من سلم الناس من لسانه ويده .فتراه رفيقا رحيما باخوانه وبمن هم في ذمته من اهل الديانات الاخرى فقد امن جاره المسلم وغيره بوائقه وكيف لا والمسلم كله خير فمن خالف يكفيه قوله عليه الصلاة والسلام ( بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم , كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) .

وبناء على ما تقدم يجب فهم نصوص في الاسلام طالما  فسرت تفسيرا يحمل على العنف والاحتراب وحمّل الاسلام جراء تفسيرها غير الدقيق ذنبا وجوبه باحقاد المخالفين لكن يابى الله تعالى ان يضيع الصواب في دينه فلا تخلو الامة ممن يفسرها على وجهها الصحيح

منها حديث (لا يقتل مسلم بكافر) الحديث عن القصاص والقصاص في القتل العمد والعمد عدوان فهل يرضى الاسلام بالعدوان ام يطلب منا الحق ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ولم ار كابي حنيفة فسر الاية على وجهها الصحيح فان الدنيا كانت وقت نزول الاية معسكران معسكر الاسلام واخر هم اعداؤه المحاربون له من مشركي مكة ويهود المدينة ولم يكونوا اهل ذمة ، بل محاربون ، وقتل المحارب جائز شرعا وقانونا من باب الدفاع عن النفس

لكن لما فتحت الامصار وتكاثر اهل الذمة وهم اهل عهد بيننا وبينهم والله تعالى يقول (واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا) صار قتل الذمي غير قتل الحربي فكان لابد من حمل الحديث السابق على معنى الحربي صيانة لسمعة الدين من ان يجيز خيانة العهد وهو الذي يطلب الوفاء حتى مع الخائن ففي الاية (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ان الله لايحب الخائنين) وفي الحديث (ولا تخن من خانك ) حسنه الترمذي)

ومثل هذا ايضا يجب ان تحمل الاحاديث التي تامر بعدم السلام على غير المسلمين وعدم رد السلام فان المراد منها من كان كافرا على صفة كفار العصر الاول وهم المحاربون وليس اهل الذمة المسالمين كيف لاارد السلام وكيف اضطرهم الى اضيق الطريق ليس اعتداء على ذمي لكن المراد منها اهل الحرب المعتدون

ومثلها ان تقتطع الايات الامرة بقتال المشركين من سياقها ويحكم بان اية السيف نسخت كل ايات السلام والمهادنة مع غير المسلمين وابرزها ايات سورة التوبة كقوله سبحانه (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) فتفسر هذه الاية ومثيلاتها بانها اعلان حرب دائمة على كل من لم يدخل الاسلام ويغفل القائلون بذلك عن سياق الايات التي قبلها وبعدها فقبلها قال سبحانه بعد ان تبرأ من المشركين (الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم احدا فاتموا اليهم عهدهم الى مدتهم ان الله يحب المتقين) ويتضح ان الامر بالقتال انما هو ضد من اعتدى وغدر فقد قال بعدها بعدة ايات (وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤكم اول مرة )

هكذا نفهم قول ابي حنيفة مخالفا جمهور الفقهاء بوجوب قتل من قتل ذميا او معاهدا وان الاعتداء على النفس البشرية جريمة لاتميز بين مسلم او غير مسلم ان لم يعتد علينا

والعجيب أن يترك كل ذلك لنأخذ بقول قتادة أن قوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) منسوخ بآية السيف فنلغي عشرات الآيات التي تدعو إلى الحكمة والقول الطيب فضلا عن عشرات الأحاديث الدالة على ذلك بآية واحدة دعت إلى السيف[1] ليكون الإسلام دينا يتخذ عن غير قناعة وأغلب أتباعه لم يؤمنوا به عن يقين وهو أمر غريب جدا وجمهور الأمة على التحقيق لا يقولون بذلك

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : (الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويحيون  بكتاب الله تعالى الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتنة المضلين)

دعوة الاسلام دعوة عامة للسلام وترك الاحتراب والتنازع حتى أنه جعل فساد ذات البين من أهم أسباب هدم صرح الدين وزواله ففي الحديث (عن أبي الدرداء قال قال رسول الله  r ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة قال الترمذي هذا حديث صحيح ويروى عن النبي r أنه قال هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) وقال r : ( دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده ... لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم) وقوله أفشوا السلام بينكم أكبر وأشمل من معنى عبارة التحية المعروفة بين المسلمين  فقد قصد  السلام كله فعبارة التسليم عهد بين المسلمين بها يأمنوا بعضهم ولا يعتدي أحدهم على الآخر جعلها أول سبب يوصل إلى الجنة .

المسلم الحق ينصف المخالف :

وقال الذهبي: (ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما ... فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة) وقال -في ترجمة ابن خزيمة-: (ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه)

 ولذلك قال عبد الله بن عون وذكر أبا حنيفة : ( ذاك صاحب ليل وعبادة . قال : فقال بعض جلسائه : إنه يقول اليوم قولاً ثم يرجع غداً . فقال ابن عون : فهذا دليل على الورع ، لا يرجع من قول إلى قول إلا صاحب دين ، ولولا ذلك لنصر خطأه ودافع عنه

ومن بديع احترام رأي الآخرين ما ينقل عن الإمام مالك أنه كان يقول :لما طلب منه المنصوركتابة الموطأ واراد ان يحمل الناس عليه قال له  ... يا امير المؤمنين لا تفعل فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وغيرهم وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم فقال : لعمري لو طاوعتني لامرت بذلك .

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين



[1] يقصدون بآية السيف قوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )سورة التوبة 5