التعامل مع الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم

التعامل مع الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم

 

(التعامل مع الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم)

                                أ.د محمد نبهان إبراهيم رحيم الهيتي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين.

 وبعد:

فإن الله عز وجل حين خلق الخلائق أوجب على كل إنسانٍ فرائض لابد وأن يأتي بها، وإلا فإنه يتعرض للسؤال والحساب والعقاب إذا ما وصل إليه التبليغ.

وبالمقابل فقد حفظ ديننا الإسلامي لكل إنسان حقه وأحاط هذا الحق بسياج منيع حتى لا يظهر عليه أحد أو يتجاوزه.

وهذه موازنة يجب أن يحافظ عليها الإنسان لكي لا يختل عنده ميزان الحياة ومقياس الحفظ والحماية التي أوجدها له الإسلام وفرضتها له شريعته السمحاء.

والحقيقة أن شريعتنا الإسلامية بضمانها للحقوق لم تفرق في كثير منها بين إنسان وإنسان، فهناك كمٌ هائل من الحقوق تساوى فيها المسلم وغيره باعتبارهما من جنس البشر مصداق ذلك قوله سبحانه وتعالى } يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {[1].

إن الأقليات يرجع سبب إطلاق تسميتها على مجموعة معينة لأمور أربعة هي:

1 - قلة عددهم مقارنة مع مواطني الدولة التي يعيشون فيها، مادامت هذه القلة على درجة تسمح لها بتكوين خصائصها المميزة لها عن الأكثرية.

2 - التفاوت في الهوية الثقافية والقومية، بحيث يكون للأقليات سمات لغوية أو ثقافية تختلف عن سمات أغلبية السكان.

3 - الاختلاف في الدين، وهو محور مهم في دراستنا؛ لأن الأقليات الدينية تعد أظهر الأقليات في العالم، وهي التي تدور حولها المشكلات.

4 - عدم هيمنتها وضعف سلطانها، وهذا ما يسوغ توفير الحماية والرعاية لها.

ولا بد من القول: إن هناك مبدأً إسلامياً قَرَّرَ أن الناس كلهم من جنس واحد، حيث ذكر القرآن الكريم هذا المبدأ بقوله سبحانه وتعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ?  فقررت هذه الآية الكريمة أن أصل البشر واحد، وأن الحكمة من جعلهم شعوباً وقبائل إنما هي للوئام والمحبة والتعارف لا للتباغض والتناحر والتخاصم.

يقول الزجاج وهو في معرض تعليقه على هذه الآية الكريمة في: " أي لم يجعلكم شعوباً وقبائل لتفاخروا وإنما جعلناكم كذلك لتتعارَفُوا "[2].

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان)[3].

ويقول عليه الصلاة والسلام (دعوها فإنها منتنة)[4].

يقول أحد المفكرين: "وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي. المجتمع الإنساني العالمي، الذي تحاول البشرية في خيالها المحلق أن تحقق لونا من ألوانه فتخفق، لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم.. الطريق إلى الله.. ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمعة.. راية الله.."[5].

وبالتالي فنخلص مما مضى إلى القول:

أولاً - مفهوم الأقليات في الفكر لا يتجاوز القلة أو الكثرة العددية، دون أن يتدخل في المفاهيم الغربية الحديثة والمعايير التي تجتمع عليها وتؤمن بها الأكثريات والأقليات.

ثانياً - قررت نصوص الشريعة الإسلامية أن أصل البشر واحد، وأن الحكمة من جعلهم شعوباً وقبائل إنما هي للوئام والمحبة والتعارف لا للتباغض والتناحر والتخاصم.

ثالثاً - حارب الإسلام العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة: راية الله سبحانه وتعالى.. لا راية الوطنية. ولا راية القومية. ولا راية البيت، ولا راية الجنس.

رابعاً - الأقليات غير المسلمة إنما تعني في مفهوم الإسلام : كل من لم يعتنق دين الله عز وجل - الإسلام – ولم يلتزم بتعاليمه ولا يطبق أحكامه ولا ينقاد لرب العالمين، وهما على قسمين:

1 – أقلية تتمتع بالإقامة الدائمة، لتكون هذه الأقليةُ جزءاً من أبناء الأمة التي ارتضت أغلبيتها الإسلام دينا فآمنت به، وظلت الأقلية على عقيدتها التي نشأت عليها، وقد تفد إلى المجتمع الإسلامي بإذن ولي الأمر ليطلق عليها في الفقه الإسلامي إسم (أهل الذمة).

2 – أقلية تفد إلى البلاد الإسلامية بإذن ولي الأمر لفترة محدودة لأداء مهمة معينة كطلب العلم أو التجارة أو السفارة، وهؤلاء لا يعدون جزءاً من المجتمع الإسلامي؛ لأنهم يقيمون في البلاد الإسلامية لمدد محدودة ومعينة، وهذه الأقلية يطلق عليها فقهاؤنا إسم (مستأمنون).

خامساً - هناك مبدأٌ قرره الإسلام بأن البشر كلهم أسرة واحدة، تجمع بين تنوعاتهم وطبقاتهم أنهم عباد لله وأنهم بنو آدم، فهم متساوون في أصل خلقتهم، وأن كرامتهم كآدميين يجب أن تصان وتحفظ؛ لأن حق العيش في هذه الحياة لم يمنحها إلا من هو أدرى بشؤونهم وأقدر على تيسير أمورهم ألا وهو خالقهم رب العالمين، وهذا الحق – أعني حق الحياة – مشترك بين جميع بني آدم.

سادساً - لقد تكفل الإسلام بحفظ أعراض الناس فأمر أتباعه أن لا يتعرضوا لأي إنسان – مهما كانت ديانته - بما يؤذيه في نفسه، أو في أهله، أو في عمله، أو في غير ذلك مما يعدُّ انتهاكًا للأعراض.

سابعاً - حفظ ديننا لكل إنسان حق التعلم، إلا علماً يضر بنفسه أو أهله أو مجتمعه، وغيرُ المسلمين – في الدولة الإسلامية – لهم حق تعلم شؤون دينهم وتاريخهم، وتعليم ناشئتهم في الكنائس ودور العلم والعبادة عندهم، بشرط عدم المساس بعقيدة التوحيد التي يدعو إليها ديننا الإسلامي.

ثامناً - ضمن الإسلام حماية غير المسلمين في أراضي الدولة الإسلامية من أي عدو خارج، لأن لهم من حق الدفاع عنهم مما يؤذيهم ما للمسلمين ، بل أوجب ديننا فك من يتأسر من المعاهدين.

تاسعاً - فرض الإسلام على أتباعه عدم التعرض لمشاعر غيرهم الدينية واحترامها وعدم التجريح بهم أو النيل من معتقداتهم، فسمح لغير المسلمين ممارسة اعتقاداتهم والاحتكام إلى شريعته فيما يتعلق بالأحوال الشخصية التي ترتبط بالمعتقد في ضوء السيادة العامة للدولة الإسلامية.

عاشراً - أما بناء البِيَعِ والكنائس ومعابِدِ المجوس التي تسمى عند الفقهاء – بيوت النار - إنما يتوقف على الإمام، فإن رأى أن البناء لا يتعارض مع مصالح المسلمين أجاز ذلك وإلا فلا، ولا يجوز أن تهدم دور العبادة لغير المسلمين في بلاد الإسلام بدون أي حقٍ يجيز هدمها.

إحدى عشر - تكون المواطنة في الإسلام في أصل مفهومها أوسع من الحدود الجغرافية الإقليمية الضيقة للوطن الإسلامي، ويكون كل فرد مسلم أو معاهد مواطناً، لأنه عضو من الأمة الإسلامية، له كل الحقوق، وعليه كل الواجبات، إلا حقوقاً وواجباتٍ كفلها الله عز وجل للمسلمين خاصة.

إثنى عشر - يجوز لغير المسلمين تولي الوظائف العامة في الدولة المسلمة وفق الضوابط الآتية:

1 ـ أن لا تكون الوظيفة أو المهمة ذات صبغة دينية.

2 ـ أن لا يعرف عن المتقدم إلى الوظيفة أي عداوة أو بغضاء للمسلمين.

3 ـ غير معروف عنه الاتصال بالعدو.

4 ـ أن تتوافر فيه شروط تلك الوظيفة.

ثلاثة عشر- إن مبدأ العدل كما أقرته نصوص الشريعة الإسلامية يطبق على الكل دون استثناء، فلا فرق لأمير على مأمور ولا لسيد على عبد ولا لمسلم على غيره، فالكل أمام حكم الله سواءٌ.

أربعة عشر- دين الإسلام كما تبين لنا لم يميز بين إنسان وإنسان حين تكفل بحفظ كرامة كل الآدميين وإنسانيتهم وأموالهم، ولم يفرق ديننا في كفالته هذه بين مسلم وغيره.

خمسة عشر - لغير المسلمين حرية العمل والكسب، بالتعاقد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين، لكنهم يمنعون من التعامل الربوي وبيع الخمور والخنازير في أمصار المسلمين، وفتح الحانات فيها لشرب الخمر وتسهيل تداولها أو إدخالها إلى أمصار المسلمين على وجه الشهرة والظهور، ولو كان ذلك لاستمتاعهم الخاص، سداً لذريعة الفساد وإغلاقاً لباب الفتنة.

ستة عشر - لأهل الذمة كما لغيرهم من المسلمين حق في بيت المال في حالة عجزهم وحاجتهم.

سبعة عشر- لقد حفظت شريعتنا الإسلامية لغير المسلمين حقهم في أن يبرموا فيما بينهم أو بينهم وبين المسلمين أي عقد لا يضر بالدولة الإسلامية، كالزواج والطلاق والتي أذنت الدولة الإسلامية لغير المسلمين - الذين يعيشون في كنفها أن – يبرموها فيما بينهم.

ثمانية عشر - أما أهم الواجبات التي على غير المسلم أن يلتزم بها – وهو داخل الدولة المسلمة:

أ - دفع الجزية: وهي عبارة عن غرامة مالية تؤخذ كل سنة وتفرض على غير المسلمين الأغنياء دون الفقراء نظير الحماية وهي مقابل فرض الزكاة على المسلمين.

ب – الخراج: هو ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها، وذلك لما يأتي:

    1 - تأمين مورد مالي ثابت للأمة الإسلامية بأجيالها المتعاقبة ومؤسساتها المختلفة.

    2 - توزيع الثروة وعدم حصرها في فئة معينة.

    3- عمارة الأرض بالزراعة وعدم تعطيلها.

ج - الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية :

فلا يحق لهم إظهار أي شيءٍ يدل على شعائرهم الدينية كالصليب، كما لا يحق لهم أن يعملوا شيئاً مباحا عندهم محرماً في ديننا كشرب الخمر وأكل الخنزير، وعليهم الالتزام بالأحكام الإسلامية المتعلقة بالمعاملات المدنية والجنائية والحدود والقصاص.

ويجب عليهم أن لا يسبوا الله تعالى ولا أحداً من أنبيائه ولا يطعنوا في القرآن ولا في معتقد المسلمين، ولا يتعرضوا للقرآن ولا للرسول صلى الله عليه وسلم بسوء.

والحمد لله الذي هدانا إلى سواء السبيل..