البركة في الرزق

البركة في الرزق

  

مقال بعنوان البركة في الرزق

الدكتور باسم محمد عبيد

 

   إن الخلق إلا من رحم الله منهم يظنون أن حصول الرزق خاضع للذكاء والحيلة وسلوك الطرق المنحرفة، لقد نسي الكثير ربهم ونسوا أنه تعالى الرزاق المفيض على عباده بالنعم التي لا تعد ولا تحصى، فما من طرفة عين إلا والعبد ينعم فيها بنعم الله ، لا يعلم قدرها إلا الله جل وعلا، أرزاق ونعم، نعم الخلائق كلها كما قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }.

    خلق الله الخلق فأحصاهم عدداً وقسم أرزاقهم وأقواتهم فلم ينس منهم أحداً، فما رفعت لقمة طعام إلى فمك إلا والله قد كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السماوات والأرض، فسبحان من رزق الطير في الهواء والسمك في الماء والذر والدود في مجاهيل الأرض وفي الصخور الصماء خلق ورزق، فهو وحده المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق وحكم بها ولا معقب لحكمه.

  ولقد جعل الله الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. وإذا أراد الله بالعبد خيراً بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم، البركة في الأموال، والبركة في العيال والبركة في الشؤون والأحوال، الله وحده منه البركة ومنه الخير والرحمة، فما فتح الله من أبوابها لا يغلقه أحد، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه كما قال سبحانه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

   ومن أعظم الأسباب التي يفتح الله بها أبواب الرحمات والبركات تقوى الله جل وعلا تقوى الله سبب الرحمات والعطايا والخيرات، قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } .

   وكذلك من أسباب البركات التي يفتح الله بها أبواب الخيرات على عباده: الدعاء والالتجاء إلى الله تبارك وتعالى، فهو الملاذ وهو المعاذ، فإذا ضاق عليك رزقك وعظم عليك همك وغمك وكثر عليك دينك فاقرع باب الله الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله فهو الكريم الجواد، ما وقف أحد ببابه فرده ونحاه، ولا رجاه عبد فخيبه في دعائه ورجاه، قوله عليه الصلاة والسلام لأبي امامة رضي الله عنه: "ألا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟" قال: بلى يا رسول الله ، قال: "قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" قال رضي الله عنه: فقلتهن فاذهب الله همي وقضى ديني"

  فالدعاء حبل متين وعصمة بالله رب العالمين، فإذا أراد الله أن يرحم المهموم والمغموم والمنكوب في ماله ودينه ألهمه الدعاء، وشرح صدره لسؤاله جل وعلا الذي بيده خزائن السماوات والأرض.

   ومن أسباب البركات التي يوسع الله فيها أرزاق العباد: صلة الأرحام ، قال صلى الله عليه وسلم: "من أحب منكم أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره ، وأن يزاد له في عمره فليصل رحمه"

   صلوا الأرحام فإن صلتها نعمة من الله ورحمة يرحم الله بها عباده ، أدخلوا السرور على الأعمام والعمات، والأخوال والخالات ، وسائر الأرحام والقرابات ، فمن وصلهم وصله الله وبارك له في رزقه ووسع له في عيشه.

ومن أسباب البركات التي توجب على العباد الخيرات والرحمات الإكثار من النفقات والصدقات ، فمن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرج كربة مكروب فرج الله كربته في الدنيا والآخرة.

   ومن الأسباب التي يبارك الله بها في الأرزاق، ويبارك في الأعمار وأحوال الإنسان العمل والكسب الطيب والأخذ بأسباب الرزق، فإن الإسلام دين العمل ، دين الكسب الحلال، الذي يعف الإنسان به نفسه عن القيل والقال وسؤال الناس، "فمن سأل الناس تكثراً جاء يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم"() والعياذ بالله .

فعلى المسلم أن يأخذ بأسباب الرزق وأن يمشي في مناكب الأرض تحقيقاً لقوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}  فقد بسط الله الأرض وأخرج منها الخيرات والبركات وجعل الخير في العمل، والشر في البطالة، والكسل، الإسلام دين الجهاد والعلم والعمل، فليس بعار أن تكون حداداً أو نجاراً، ولكن العار كل العار تكون في معصية الله تعالى وفي الخمول والبطالة والكسل، حين يعيش الإنسان عالة على الغير مع أنه صحيح البدن قوي في جسده.... والله تعالى أعلم