دور التدريسي  في ترسيخ مفهوم الأخوة والتسامح

دور التدريسي في ترسيخ مفهوم الأخوة والتسامح

 مقالة بعنوان

دور التدريسي  في ترسيخ مفهوم الأخوة والتسامح

أ.د محمد نبهان إبراهيم رحيم الهيتي

جامعة الأنبار _ كلية العلوم الاسلامية _ قسم الفقه وأصوله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين.

وبعد: فمن بديهيات الكلام: أن الأُخُوَّةَ جزءٌ أصيلٌ في ثقافتنا العربية والإسلامية، وهي قيمة من قيم أعرافنا الممتدة والمتأصلة بجذور عاداتِ وتقاليدِ النخوة والشهامة التي كان العرب يمتازون بها حتى قبل دين الإسلام، ولكن ولابد من قول الحقيقة: إن ديننا الإسلامي جاء ليحسن من صورة هذا الخلق الفضيل بأحكامٍ وتشريعاتٍ رسختها الشريعة ِ الإسلامية، وحث عليها القرآن الكريم.

يقول ربنا سبحانه وتعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا?.

ونستطيع القول: إن الأخوة التي كانت موجودة قبل دين الاسلام يمكن أن نصفها بالأخوة الإنسانية التي كانت موجودة منذ الأزل، وجاء دين الاسلام ليهذبها ويُثَبِّتَ أركانها، والمسلم مطالب قبل غيره أن يحافظ على الأخوة بكل أنواعها إسلامية كانت أو إنسانية _ وحين أقول الأخوة الإنسانية إنما أعني أخوة الطين، أي أن نتآخى مع كل البشر إلا من أُمِرْنا بنبذهم وعدم مؤاخاتهم بنص قرآني أو سنة نبوية.

والأُخُوَّةُ تعني تغييرَ المفهومِ الشاملِ لمعظم الظواهر الاجتماعية التي تؤثر سلباً في العلاقات الانسانية بشكل عام، وتعمل على النيل من حرية الانسان وكرامته، بل في كثير من الأحيان تعمل هذه الآفة الخطيرة على النيل من حياة الانسان واستقراره، لتنتج مجموعةً كثيرةً وكبيرةً من الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي تنخر بجسد الأمة ومجتمعاتها، كالتعصب بكافة أنواعه وأشكاله ودوافعه، وتقييدِ حرية الانسان، ومحاولةِ تحجيمه من خلال عدم قبول رأيه ولا حتى احترامه وعدم تجاهله.

ولكي تتجسد معاني الأخوةِ في فكر وثقافة الأجيال، لاسيما ما يخص مؤسساتنا التعليمية _ أعني طلبتنا وطالباتنا _ لابد وأن يسهم كل فرد من أفراد المجتمع وأن تشارك مؤسساتُهُ الاجتماعية والتعليمية والحكومية، وفي مقدمة كل ذلك من ينتمي إلى مؤسساتنا التعليمية لابد وأن نسهم جميعا في نشر روح الأخوة ومعانيها وترسيخ كل ما ينتج عن التحلي بالأخوة من معانٍ سامية لمفهوم التسامح وثقافة العفو عند المقدرة.

والحقيقةَ أقول: إن الجامعات والمؤسسات التربوية والتعليمية هي أكثر الفئات والشرائح معنية بهذا الشأن، فعلى عواتقنا _ أيها السادة الفضلاء يامن تحملون لواء التربية والتعليم _ تقع المسؤولية الأكبر لترسيخ مبدأ الأخوة بين طلابنا وطالباتنا، وذلك من خلال تعزيز قيم التوافق الفكري والاختلاف الطبقي والمجتمعي، ومن خلال الحوار والمساواة بينهم، دون تمييز لبعضهم على بعض، إلا بما يستحقه من درجات أو في الامتحانات أو ما يتميز به بعضهم في النشاطات الأكاديمية الأخرى، على أن نبتعد عن كل ما يدفع إلى التباغض والتناحر والشقاق، بتقريب البعض من الطلاب واستبعاد البعض الآخر بناءً على هوى النفس أو الميول البشرية الأخرى.

إن المؤسسة التربوية والتعليمية _ أعني المدارس بشتى أنواعها والاعداديات والجامعات والمعاهد وما شابهها من مؤسسات أكاديمية أو تربوية _ لديها جملةٌ من الوسائل والطرائق والأساليب ما لم توجد عند مؤسسة أخرى، لتعميم سياسة التسامح ونشر مفهوم الأخوة، عن طريق التثقيف والتعليم بالحقوق والحريات، التي يشترك فيها جميع بني البشر، إلا ما يتميز به أهلُ التقوى والإيمان، مصداق ذلك حديثٌ عن رسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أوْسَطِ أيَّامِ التشْرِيقِ خُطْبَةَ الوَداعِ فقال:

"يا أيُّها النَّاسُ! إنَّ ربَّكُمْ واحِدٌ، وإنَّ أباكُمْ واحِدٌ، ألا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ على عَربيٍّ، ولا لأَحْمرَ على أسْوَدَ، ولا لأَسْودَ على أحْمرَ؛ إلا بِالتقْوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ألا هَلْ بلَّغْت؟ ". قالوا: بَلى يا رسولَ الله. قال: "فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ".

ومن هذا المنطلق: وحتى يقوم التدريسي في التربية والتعليم بهذا الدور البناء، لابد أن يعتمد على أساليب منهجية وعقلانية لبث روح الأخوة والتسامح بين طلاب المدارس والجامعات، تلك المنهجية التي يجب أن تقوم على أسس الخير والصلاح، وأن يبذل التدريسي جهده في ترسيخ معنى الأخوة وما تنتجه من نتائج في غاية الأهمية من تسامح وتكاتف وعفو ومحبة بين الطلاب والطالبات.

إن لأساتذة المؤسسات التربوية والتعليمية والأكاديمية دوراً فاعلاً في دعم الوحدة الوطنية لأبناء المجتمع العراقي بكل فئاته وأطيافه، من خلال تفعيل دور الدين فى ذلك، وتبنيهم لما جاء به من قيم تحث على الأخوة الإنسانية والتسامح وقبول واحترام الآخر، ونشر السلام، والوقوف في وجه الفتن، مع محاولة تحصين وعي طلابهم ضد الدعاوى التي تُرَوِّجُ لها قوى مغرضة، وتتهم خلالها الثقافةَ العربيةَ الإسلاميةَ، بخلوها من التسامح وقبول الآخر.

ويتحقق ذلك أيضا حين يكون الأستاذ قدوةً حسنةً أمام الطلاب بقيامه بدور المربي الفاضل الذي يتجسد في شخصيته ذلك المفهوم وتلك القيم.

وهنا لابد من تلخيص دور الأستاذ  في بث روح الأخوة والتسامح بين طلابه بما يأتي:

أولا: يجب أن يشعر طلابه بالأمان والثقة بالنفس، وأن يحب بعضهم البعض.

ثانيا: تبديل صفة التنافس الفردي لدى الطلبة في البحث والمتابعة عن المعرفة وفي الأنشطة العلمية، إلى تعاون جماعي وسيادة روح الفريق الواحد، ولا ضير في أن تكون المنافسة الفردية في مجال الامتحانات التي لا دخل فيها للتعاون خاصة داخل القاعة الامتحانية.

ثالثا: يغرس فيهم حب الآخرين وتقبل آرائهم، أو على الأقل احترام الرأي الآخر.

رابعا: يرسخ في قلوبهم حب الوطن، والانتماء إليه، لأن هذا يُنَمِّي فيهم مشاعر الحب والولاء لوطنهم، ويحثهم على الحرص عليه والدفاع عنه، بسلاح العلم والمعرفة.

خامسا: تعزيز قيم التسامح والتعاون فيما بينهم.

سابعا: يرسخ مفهوم التعاون مع الآخرين، والقيام بالعمل الخيري التطوعي والخدمي، لتكوين طلاب أكثر فاعلية في الحياة العامة، خارج الحرم الجامعي؛ ليكونوا أنموذجاً يحتذى به من قبل أبناء المجتمع.