هجر القرآن

هجر القرآن

 هجر القرآن

   أ.د. أحمد قاسم عبد الرحمن

تدريسي في قسم التفسير وعلوم القرآن

     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد : فان فضل القرآن العظيم ورفيع قدره وعلو مكانته أمر لا يخفى على المسلمين ، فهو كتاب رب العالمين وكلام خالق الخلق أجمعين .

    ولقد اقتضت سنة الله تعالى في خلقه أن يكون إتباعهم القرآن العظيم سبباً لنجاتهم ، قال الله تعالى : ((  قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى  )) }  سورة طه ـ الآية : 123ـ 124 { فالبشرية الحائرة بأسرها في حاجة إلى نور القرآن لتصان كرامة الإنسان ، ولتخرج من هذا الضنك الذي تحياه . نعم العالم في حاجة إلى القرآن ليكون الحق والعدل أساساً في معاملة الإنسان للإنسان .

وإننا نشهد اليوم هجراً للقرآن العظيم في أنحاء شتى فإلى الله وحده المشتكى .

      لقد هُجِرَ القرآنُ الحكيم تلاوةً ، وزهــد الكثير في مذاكرته وحفظه وتدارسه على الرغم من حرصهم الشديد على متابعة وسائل الإعلام بشتى طرقها المشروعة وغير المشروعة ليتابعوا بلهف وشوق أخبار من لا خلاق لهم عند الله تعالى .

     وهُجِرَ القرآنُ المجيد استماعاً وارتبط استماع القرآن في أذهان كثير من الناس بالأحزان والسرادقات التي تقام للمآتم ! . بل أقبل الناس على سمع اللهو والغناء ومزمار الشيطان وهجروا قرآن الرحيم الرحمن ! .

وهجر القرآن العزيز تدبراً ، ولو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشيته ، فقست القلوب وتحجرت العيون ، فلا قلب يتدبر فيخشع ، ولا جوارح تنقاد فتخضع ، ولا عين تتحرك فتدمع ! .

      وهُجِرَ القرآنُ العظيم عملاً فبدل أن يكون منهج حياة متكامل يصبح في واقع الناس ـ إلا من رحم الله ـ آيات تقرأ عند القبور ، ويهدى ثوابها للأموات مع أن هؤلاء الأحياء أحوج منهم إلى ثوابها ، واتخاذها منهجاً لحياتهم بشتى أشكالها وصورها ، أو تصنع منه التمائم والأحجبة فتعلق على صدور الغلمان ، أو يوضع في البيوت والمحلات والسيارات للحفظ والبركة زعموا !.   

 وهُجِرَ القرآنُ العظيم تحاكماً ، ووقع المسلمون في المنكر الأعظم بتنحية كتاب الله عن الحكم بين الناس واتُهِمَ شرعُ الله بالضعف والقصور والتخلف عن ركب الحضارة وحل محله القانون الوضعي الضعيف القاصر يحكم في الدماء والأموال والأعراض ! .

    وهُجِرَ القرآن الكريم استشفاءً وتداوياً ولجأ الناس إلى السحرة والعرافين والدجالين يطلبون منهم الشفاء والدواء لأمراضهم ! .

  فإياكم إياكم أخوتي أن تهجروا القرآن فسيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه قرأ كتاب الله العزيز فبكى ، وقال : ( شغلنا عنك الجهاد ).فما أجمل عذره فما عذرنا نحن اليوم ؟ !!!

فبادر بأن تقرأ القرآن ولو عشر آيات يومياً .

فهل من عودة ؟، وهل من أوبة ؟ نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة .

اللهم لا تجعلنا من الهاجرين لكتابك ، والداخلين في قولك على لسان رسولك صلى الله عليه وسلم  : ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا  ))

   }سورة الفرقان ـ الآية : 30 {.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .