الإستقامة لتحقيق الكرامة

الإستقامة لتحقيق الكرامة

 مقال بعنوان ( الإستقامة لتحقيق الكرامة )

الأستاذ المساعد الدكتور أيسر فائق جهاد الحسني الآلوسي

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على فاتح باب العلم وعين اليقين محمد الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين صلوت ربي وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، اللهم صل وسلم وبارك على من ملأت عينيه من جمالك وقلبه من جلالك ولسانه من محاكاتك فأصبح فرحا بك مسرورا مؤيدا منصورا وعلى آله وصحبه مثل ذلك ، أما بعد:

    فقد قال الله تعالى: ((فاستقم كما أمرت)) ، وقال جل ذكره ((إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا)) فالكرامة مشروطة بالإستقامة فان استقام العبد على شرع الله ممتثلا بما أمر به سبحانه منتهيا عما نهى عنه سلاحه في ذلك الإيمان والتقوى دخل في دائرة أولياء الله قال تعالى: ((ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون)) فكل مؤمن تقي ولي لله تعالى ، يقول ابن كثير رحمه الله: كل من كان تقيا كان لله وليا. ومن عادى وليا لله آذنه الله بالحرب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) ، وقد اختص الله سبحانه أوليائه بالكرامة بأن يجري على أيديهم خوارق العادات كرامة لهم بما استقاموا عليه في سيرهم وسلوكهم على طاعة الله وتقواه فهي عطاء من المكرم جل جلاله وعم فضله ونواله وأعظم ما يكرم الله به وليه هو الإستقامة ، يقول الإمام الجنيد رحمه الله تعالى : كن طالب الإستقامة ولا تكن طالب الكرامة، فالنفس تشتهي الكرامة والرب يريد الإستقامة. والولي لا ينظر إلى الكرامة ولا ينشغل بها فهو مع مولاه سبحانه ، وثبوت الكرامات للأولياء أمر أجمع عليه العلماء بدلالة القرآن والسنة ، فمن القرآن ذكر لنا سبحانه قصة سيدتنا مريم عليها السلام من وجود فاكهة الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء قال تعالى: (( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)) ، قال الطبري :فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء. وكذلك قصة أصحاب الكهف وقصص أخرى كثيرة فيها ذكر الكرامات التي أجراها الله على يد أوليائه. وخير الأولياء بعد الأنبياء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن تبعهم على طريق الهدى والتقى والإيمان إلى يومنا هذا فلا يخلوا منهم زمان وقد ورد ذكر كرامات الصحابة والتابعين وكثير من الأولياء الصالحين في كتب السير والتاريخ ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه : أن أسيد بن حضير وعبّاد بن بشير كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس (شديدة السواد) قال: فلما خرجا من عنده أضاءت عصا أحدهما فكانا يمشيان بضوئها، فلما تفرّقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا. قال الشنقيطي: وفي هذا الحديث إكرام الله تعالى لهذين الصحابيين بهذا النور الظاهر، وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم من ذلك وأتم ، وفيه دلالة ظاهرة لكرامة الأولياء والرد على من ينكر ذلك.

وقال المباركفوري في شرح الترمذي : عمران بن حصين كان من علماء الصحابة وكانت الملائكة تسلم عليه. وأبو مسلم الخولاني الذي قال عنه الذهبي سيد التابعين وزاهد العصر أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه ، ودخل المدينة في خلافة الصديق وكان من أهل اليمن ، وقد ظهر فيها حينئذ الأسود العنسي وهو دجال كذاب يدعي النبوة ، فبعث إلى أبي مسلم فأوقد ناراً عظيمة وألقاه فيها فلم تضره ، فقيل للأسود : إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من إتبعك فأمره بالرحيل ، فقدم المدينة فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي ، فبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه ، فقال ممن الرجل؟ قال : من اليمن ، قال : ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال : ذاك عبدالله بن ثوب ، قال : نشدتك الله أنت هو ؟ قال : اللهم نعم ، فاعتنقه عمر وبكى ، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل. وغير ذلك كثير تم ذكره ممن ثبتت لهم الكرامات والتي من الواجب على كل مسلم التصديق بها قال ابن تيمية رحمه الله : ومن أصول أهل السنة والجماعة : التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات. فمن أراد الولاية عليه بالإستقامة ، فمن استقام على شرع الله فهو الولي وان لم يظهر على يديه من خوارق العادات ، فالإستقامة أعظم كرامة ولا ولاية بدونها فطريق الأولياء مبدؤه الإستقامة.