الصناعة الحديثية وصفاً مركباً

الصناعة الحديثية وصفاً مركباً

 مقال بعنوان الصناعة الحديثية وصفاً مركباً

ا.د. عصام خليل ابراهيم

 

 

الصناعة الحديثية: ملكة راسخة يقتدر بهَا الْإِنسان على استعمال موضوعات ما، نحو غرض من الْأَغراض على سبيل الْإِرادة صادرة عن بصيرة بحسب التمكُّن مِنها.

وقيل: الصناعة الحديثية: تستعمل في العلم الذي تحصل معلوماته بتتبع كلام العرب.

وعرفت منى عبد الحكيم العسة الصناعة الحديثية بأنها: (الحرفة بالحديث وعلومه نتيجة العلم الراسخ بهما بعد طول العمل والمذاكرة، بحيث يقتدر صاحبها على استعمال موضوعات هذا العلم نحو غرض من الأغراض على وجه البصيرة والإبداع).

وعرف عبد الرزاق حسن دراش الصناعة الحديثية بأنها: (مجموعة المناهج والقواعد والأدوات التي يستخدمها المشتغل في علم الحديث، والمنسجمة مع طبيعة العلم، التي ولدتها المعرفة المنقولة والمبتكرة، المكتسبة بالخبرة والممارسة).

ومن هذه التعاريف ودراستنا للصنعة، اتضح لي أن الصناعة الحديثية هي: مجموعة من الآراء والطرائق والقواعد التي تحصل بالمذاكرة والمعرفة بالعلوم والخبرة لدى المشتغل بعلم الحديث رواية ودراية.

وقد ظهرت قواعد في تمييز الصحيح من السقيم، وهذه القواعد وضعها المحدثون، وجعلوها قواعد في علم السنة امتلأت بها كتب المصطلح، إلا أن هذه القواعد والآراء ساعدت في ورود مصطلح الصناعة الحديثية عن بعض علماء الحديث.

قال ابن رجب في معرض كلامه على النقاد: ( وكلام أبي حاتم وهو يشبه معرفة الناقد للعلة بمعرفة الصائغ للدرهم الزائف من الجيد إنما يعني به أن الحديث صناعة وفن كالصياغة التي هي صناعة وفن، ولكل منها مبادئه وطرائقه وقوانينه).

وقال ابن حجر: ( وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية).

ثم زاد الحافظ ابن حجر ما قاله ابن حبان: ( لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صناعة الحديث ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة حتى كأن السنن بين عينيه إلا ابن خزيمة).

قال أبو جعفر بن الزبير: (وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه غيره).

وقال أبو بكر كافي: (عبقرية الإمام البخاري، ودقة الصناعة الحديثية عنده، خلاف ما هو شائع أن صحيح البخاري لا يشتمل على الدقائق الإسنادية، وأن مسلماً هو المتفرد بذلك، نعم هي موجودة وبكثرة، لكنها متفرقة وغامضة).

إن معرفة منهج المتقدمين والمتأخرين في الصناعة الحديثية أمر لا بد منه كما في باقي العلوم الشرعية، لأن أهل العلم ليسوا على منهج واحد في الصناعة الحديثية، بل على مناهج متعددة، فعلى هذا لا بد من معرفة طريقتهم ثم السير عليها.

قال الحافظ الذهبي: (يا شيخ أرفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشزر ولا ترمقنهم بعين النقص، ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا ، وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال : من أحمد ؟ وما ابن المديني ؟ وأي شئ أبو زرعة وأبو داود ؟ فاسكت بحلم أو انطق بعلم ، فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت ، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل).

قال الدكتور إبراهيم اللاحم: (إِنَّ المتأمل في مسيرة نقد السنة النبوية منذ عصر الرواية إلى وقتنا الحاضر- لابد أن يلاحظ وجود اختلاف في الأحكام النهائية على بعض الأحاديث بين نقاد السنة في عصور الرواية -أي في القرون الثلاثة الأولى- وبين نقاد السنة بعد هذه العصور إلى وقتنا الحاضر، ويلاحظ أيضاً أنه كلما تأخر الزمن بعدت الشقة، واشتد بروز الاختلاف، فيلاحظ كثرة ما صحح من أحاديث قد حكم عليها الأولون بالنكارة والضعف ،وربما صرحوا ببطلانها، أو بكونها موضوعة، وقد يقول المتقدم : هذا الباب -أي هذا الموضوع- لا يثبت ، أو لا يصح فيه حديث، فيأتي المتأخر فيقول: بل صح فيه الحديث الفلاني، أو الأحاديث الفلانية).

وقال الدكتور تركي الغميز بعد دراسته للاختلاف في المنهج: ( ظهر اختلاف شديد وتباين واضح في الحكم على الأحاديث، فوجدنا مئات الأحاديث التي نص الأئمة المتقدمون على ضعفها أو أنها خطأ ووهم، قد صححها بعض المتأخرين).

وقال الدكتور حمزة بن عبد الله المليباري: ( إِن قضية التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في قسمي علوم الحديث: النظري والتطبيقي ، ليست فكرة محدثة كما يتصورها بعضنا ، ولا هي بدعة منكرة، ولا هي مجرد خاطرة خطرت ببالنا كما اتهمنا بها بعض آخر، وإنما هي فكرة قديمة نوه بها قبلنا علماء التحقيق والتدقيق من المتأخرين أنفسهم. وما دعاني إلى إثارتها من جديد إلا إحياء منهج المحدثين النقاد المتقدمين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، بعد أن لمست في كثير من البحوث والدراسات المعاصرة انتهاج منهج ملفق بين منهج المحدثين النقاد وبين منهج الفقهاء وعلماء الأصول، ثم إلصاقه بنقاد الحديث).