يسر الدين الإسلامي

يسر الدين الإسلامي

 يسر الدين الإسلامي

أ.م.د حازم عبد الوهاب عارف

قال الامام البخاري : حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ"

في هذا الحديث الشريف يبين لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) ان الدين الذي اختاره الله (سبحانه وتعالى) ليكون خاتما للأديان السماوية لابد ان يكون ميسرا لكل الناس وصالحا لكل زمان ومكان ويتجلى هذا المعنى في هذا الحديث النبوي الشريف فهو دين توازن بين الماديات والروحانيات وبين الافراط والتفريط فلا يطغى احدهما على الاخر فلم يبالغ الدين الاسلامي في الجانب المادي كشريعة موسى(عليه الصلاة والسلام) ، ولم يبالغ بالروحانيات كشريعة عيسى (عليه الصلاة والسلام) الى حد الرهبانية ، وانما خاطب الله (عز وجل) العقل والقلب معاً، ولذلك أصبح الدين الاسلامي ديناً متكاملاً كما قال الله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)  بل ان الله تعالى يحب ان تؤتى رخصه كما يحب ان تؤتى عزائمه .

      ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (ولن يشاد الدين احد الا غلبه ) لان المشادة هي المغالبة والمبالغة والتزمت والتنطع ، ولذلك قال رسول الله (عليه الصلاة والسلام) : (هلك المتنطعون)  اي المتشددون ، وقال ايضا (ان خير دينكم ايسره ، ان خير دينكم ايسره)   ، ومعناه لا يتعمق احدكم في الدين فيترك الرفق الا غلب الدين عليه وعجز المتشدد عن ذلك وانقطع عن عمله كله او بعضه وهذا تصديق لقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج)  ، ولن يقاوم الدين احد الا غلبه لان في ذلك من الكلفة الشديدة فيضعف عن القيام بحق ما كلف به .

    ولذلك قال ابن حجر : (وقد انكر النبي (صلى الله عليه وسلم) على قوم ارادوا التشديد على انفسهم ، وهذا عبد الله بن عمرو لما كبر وضعف عما كان اوصاه به (عليه الصلاة والسلام) من اعمال قد ذكرها له ، فأبى عبد الله الا مشقتها ، فقال بعدما كبر : يا ليتني قبلت رخصة النبي (صلى الله عليه وسلم)   .

     قال عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي: ما أعظم هذا الحديث، وأجمعه للخير والوصايا النافعة، والأصول الجامعة، فقد أُسّس (صلّى الله عليه وسلم) في أوله هذا الأصل الكبير فقال: "إن الدين يسر" أي ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه، فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره: هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب، وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق، وأصلح الأعمال، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة وبفواتها يفوت الصلاح كله، وهي كلها ميسرة مسهلة، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه، ولا تكلفه، فعقائده صحيحة بسيطة تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة ، وفرائضه أسهل شيء.

     ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة من فرض ونفل، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها، وأراد أن يقتدي فيها بأكمل الخلق وإمامهم محمد (صلّى الله عليه وسلم) رأى ذلك غير شاق عليه، ولا مانع له عن مصالح دنياه، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها: حقّ الله، وحقّ النفس، وحقّ الأهل والأصحاب، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق وسهولة، وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي (صلّى الله عليه وسلم)، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا وأوغل في العبادات: فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: "ولن يَشادَ الدينَ أحد إلا غلبه" فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو، ولم يقتصد: غلبه الدين، واستحسر ورجع القهقرى  .

     واذا ما قورنت الشريعة الاسلامية بشريعة من سبق لتبين اليسر في شريعتنا الغراء ، فقد كان الرجل من بني اسرائيل اذا أصابته نجاسة فإنها لا تطهر الا بقطع ما اصابته من الثوب اما هذا الدين فقد تنزه عن ذلك ويكفي غسله بالماء ليطهر ، واذا أراد الرجل من بني اسرائيل التوبة وجب عليه ان يقتل نفسه ، ولذلك قال الحق تعالى (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم ) واما في شريعتنا فيكفي ان يتوب الى الله بنية صادقة ولا حاجة لقتل نفسه،  وبذلك تبين لنا سهولة الدين الاسلامي ويسره لكل مكان وزمان ولجميع الخلق في كل انحاء العالم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم