فضيلة زكاة الفطر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله الاطهار وصحابة الاخيار، وبعد:
أما بعد: تتجلى الرحمة الكبرى المتمثلة بشخص النبي-عليه الصلاة والسلام-عندما تراه يتحسس أحوال الفقراء والضعفاء والارامل والايتام في رعيته في كل أحوالهم وفي مختلف ظروفهم، فمرة يجعل الساعي الى الارملة والمسكين بمرتبة المجاهد في سبيل الله، ومرة أخرى يوجه انظار المسلمين في شهر رمضان الفضيل مسلطا الضوء على شريحة مهمة في المجتمع الإسلامي وهم الفقراء واطفالهم والارملة وأطفالها والايتام، فشرع زكاة الابدان(زكاة الفطر) وأوجبها على كل مسلم صغيرا أو كبيرا مسافرا أو مقيما مريضا أو صحيحا، في مشهد تعبدي مجتمعي يسعف مشاعر هؤلاء المحتاجين في شهر رمضان الذي يتنافس الناس فيه بأنواع الأطعمة والأشربة فوجه المسلمين لفضيلة افطار الصائمين وأبرز ثواب ذلك، ثم شرع –صلى الله عليه وسلم-زكاة الفطر لتجبر قلوب ومشاعر وخواطر الارامل والفقراء التي اثقل كاهلها الفقر، وذلك من خلال دفع زكاة الفطر
قبيل صلاة العيد كي لا يشعروا بالنقص والانعزال، ولكي يتساووا في ملبسهم ومأكلهم من خلال اشاعة هذه الزكاة في هذا الوقت المخصوص، ولرسم الفرحة على وجوههم في أيام العيد؛ فقال-صلى الله عليه وسلم-في وصيته الشهيرة التي تفسر قوله تعالى:( بالمؤمنين رؤوف رحيم)، عندما قال في الحديث الذي يرويه ابن عمر-رضي الله عنهما- الذي يرويه الامام البيهقي في سننه الكبرى: أمرنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ان نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير وحر ومملوك الى ان قال: وكنا نؤمر ان نخرجه قبل ان نخرج الى الصلاة، فأمرهم الرسول-صلى الله عليه وسلم- ان يقسموه بينهم ويقول: أغنوهم-أي الفقراء والمساكين- عن طواف هذا اليوم.
ومعلوم إن الناس تنشغل في الأيام الأخيرة من رمضان متهيئين للعيد، لذلك وجه الرسول-صلى الله عليه وسلم- عناية المسلمين للاهتمام بالمعوزين والمحتاجين كي لا تجبرهم الحاجة للسؤال والمسألة في يوم فرحة الناس في العيد، كما اخرج الحاكم-رحمه الله- قول النبي-صلى الله عليه وسلم- مبينا العلة الرئيسية لزكاة الفطر بقوله-صلى الله عليه وسلم-: (أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم).
وفي هذا الحديث تتجلى لنا مدى رأفته-صلى الله عليه وسلم-واهتمامه بمشاعر الضعفاء والمعوزين، فليس من المروءة ان يترك الفقراء في هذه الأيام المباركة لذل السؤال، وسط فرحة الباقين في العيد، إذ لا يمكن أن تكتمل فرحة المسلم وهناك من اخوانه من يتضجر جوعا وفاقة، فلا يتم إيمان مؤمن وجاره جائع، فهذا يتنافى مع عدل وسماحة الشريعة السمحاء ويتنافى مع ومروءة المسلم، فعلى كل مسلم أن يتبع هدي النبي-صلى الله عليه وسلم- في صناعة المسرة والفرحة على وجوه الفقراء وإدخال السرور الى قلوبهم في تلك الأيام العظيمة.
فزكاة الفطر نموذج لا نظير له يعكس مدى رحمة النبي-صلى الله عليه وسلم-بإمته وعظمة الإسلام الذي أمر بالزكاة مطهرة للابدان والنفوس واموال المسلمين، وكذلك مطهرة لقلوب الفقراء من البغض والحسد، ليعيش كل افراد الأمة كأسرة واحدة قال تعالى في كتابه العزيز:?وَ?ع?بُدُواْ ?للَّهَ وَلَا تُش?رِكُواْ بِهِ? شَي?ـ??ا? وَبِ?ل?وَ?لِدَي?نِ إِح?سَ?ن?ا وَبِذِي ?ل?قُر?بَى? وَ?ل?يَتَ?مَى? وَ?ل?مَسَ?كِينِ وَ?ل?جَارِ ذِي ?ل?قُر?بَى? وَ?ل?جَارِ ?ل?جُنُبِ وَ?لصَّاحِبِ بِ?ل?جَن?بِ وَ?ب?نِ ?لسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت? أَي?مَ?نُكُم?? إِنَّ ?للَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخ?تَال?ا فَخُورًا? [النساء: 36].
فعلينا الاهتمام بزكاة الفطر واخراجها للفقراء لسد حاجتهم وعوزهم سواء كان ذلك نقدا أو طعاما، فالغاية هنا هي كما قال عنها النبي-صلى الله عليه وسلم-:(أغنوهم).
اللهم تقبل منا صلاتنا وقيامنا وصيامنا واجعل رمضان هذا العام شاهدا لنا لا علينا والحمدلله رب العالمين.