الايجابية مفتاح السعادة والنجاح للمتعلم (في ضوء التربية الاسلامية)

الايجابية مفتاح السعادة والنجاح للمتعلم (في ضوء التربية الاسلامية)

 الايجابية مفتاح السعادة والنجاح للمتعلم (في ضوء التربية الاسلامية)

المدرس المساعد نشوان زيدان الكبيسي

الحمد لله الذي شرف الانسان بعقله وقدرته على التفكير اذ جعله خليفة في الارض  وفضله على غيره من المخلوقات، وصل الله وسلم على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.

أما بعد

       شاع في الآونة الاخيرة مصطلح الايجابية  والتفكير الايجابي  وكيف يكون الانسان ايجابيا وخاصة اننا نعيش في عصر القلق وامراض الحضارة وكما اطلق عليه العلماء حديثاً (عصر الضغوط) وكيفية مواجهة هذه الضغوط مما يفرض على الفرد التمتع بمهارات تفكير ايجابية تساعده على مواجهة مختلف المواقف التي تعترضه .

 الايجابية  هي المحافظة على التوازن السليم في ادراك مختلف المشكلات وهي اسلوب متكامل في الحياة ، بمعنى التركيز على الايجابيات في اي موقف بدلا من التركيز على السلبيات ، اي تُحسن ظنك بذاتك حين تفكر ايجابيا في قدراتك وامكاناتك وكيف يمكن تثميرها وحسن توظيفها لتحقيق اهدافك وحين تتعامل ايجابيا مع اوجه القصور فتفتش عن سبل تصحيحها وصولا الى التعلم منها وتجاوزها وتعديلها وان تظن خيراً بالأخرين وان تتبنى الاسلوب الامثل في الحياة  .

    إن كل انسان  مهما كان عمره ومهما كان الزمان والمكان الذي يعيش فيه يسعى الى ان تكون حياته وحياة من حوله مليئة بالسعادة والنجاح المتواصل في جميع نواحي الحياة لذلك يسعى جاهدا في ان يجلب لنفسه ولغيره الخير والنفع وان يدفع عنه الضر والمفاسد وهنا لابد من تحسين مستويات تفكيره بتبني منهج فكري سليم عن نفسه وعن مجتمعه والتخلي عن الافكار السلبية التي تحد من قدراته وتضيع عليه الجهود التي يبذلها في تحقيق الاهداف الي يصبو اليها، فالمسلم لديه هدف سامي يتمثل في تحقيق دوره في هذه الحياة بالعبودية لله عز وجل من خلال التزام التفكير السليم بما تتضمنه معاني الايمان واركانه وبما ينتج عن ذلك الايمان العمل الايجابي العمل الصالح حينها يتحقق للانسان حياة طيبة في الدارين قال تعالى ((مَن? عَمِلَ صَ?لِح?ا مِّن ذَكَرٍ أَو? أُنثَى? وَهُوَ مُؤ?مِن? فَلَنُح?يِيَنَّهُ? حَيَاة? طَيِّبَة?? وَلَنَج?زِيَنَّهُم? أَج?رَهُم بِأَح?سَنِ مَا كَانُواْ يَع?مَلُونَ )) سورة النحل أية (97)

            ان شعور الإنسان بكرامته ومكانته في هذه الحياة وفي هذا الكون ، وأن الله استعمره في الأرض ، أي : طلب منه أن يعمر الأرض بالحق ، والعدل ، والحضارة ". والقرآن الكريم يذكّر بني الإنسان ، بنشأتهم الأولى من الأرض ، ويحثهم على ضرورة القيام بإعمارها واستثمارها " هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ " (هود ، آية : 61) .

فالإنسان المسلم ينبغي ألا يتوقف عن العمل حتى مع قيام الساعة ، وهذا يشكل قمة الإيجابية كما جاء في التوجيه النبوي الشريف " إذا قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلةٌ فليغرسها " .

ومما لا شك فيه أن للعبادة دوراً بالغاً في تنمية إيجابية الإنسان إلى حد بعيد، ذلك أن العبادة توقظ الإيمان وتبعثه باستمرار ، فيتولد عنه الطموح ، والآمال ، والرجاء ، كما تدفع إلى العمل الجاد المثمر في هذه الحياة .

ويمكن بيان  أهم مظاهر ايجابية التربية الإسلامية فيما يلي :

1-  إعداد نفوس مؤمنة صادقة واثقة بربها ، لا يتطرق إليها الإلحاد والشك ، وهذا ما عبر عنه قوله تعالى : " إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (الزمر،آية:7).

2- أنها لم تكن سلبية تدعو إلى الرهبانية ، وحرمان الإنسان من إشباع دوافعه الغريزية، بل أمرت بتوجيه هذه الدوافع وإشباعها ، بأسلوب يحقق الهدف الذي وجدت من أجله، ويسمو بالإنسان ويحقق سعادته .

3- حرصها على تنمية الأخلاق الفاضلة والطيبة، ومحاربة المحسوبية ، ونفوذ أصحاب السلطات ، والأثرة والأنانية والطمع والفساد والربا والرشوة .

4- عدم اليأس من إصلاح المتعلم وذلك ببذل قصارى الجهد ، واتخاذ ما أمكن من الوسائل في سبيل ذلك ، وقد ضرب القرآن الكريم مثلاً رائعاً للداعية الجريء الحريص على إصلاح الآخرين فقال تعالى – على لسان نوح عليه السلام : " قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا " (نوح ، آية : 5) .

وفي موضع آخر من السورة " ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا " (نوح ، الآيتان : 8 ، 9)  أي ان نوح عليه السلام استخدم كل الاساليب ولم ييأس من كسبهم للحق وهذا علامة من علامات الايجابية.

5- تشجيعها المتعلم على مخالطة الآخرين ، والتفاعل معهم  بحيث يناصحهم ويحثهم على الخير وهذا أمر يحتاج الى الصبر حيث جاء في التوجيه النبوي الشريف " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " . (ابن ماجة ، ب.ت ، ج2 ، ص 1338)

ويؤكد الغزالي على أن في مخالطة الناس، والمجاهدة في تحمل أذاهم كسراً للنفوس، وقهراً للشهوات ؛ وبالتالي فإن المخالطة أفضل من العزلة في حق من لم تتهذب أخلاقه ، ولم تذعن لحدود الشرع شهواته .

 

6-   وإن من إيجابية التربية الإسلامية ،ان مفتاح التغيير بيد الانسان  وتبصير الفرد بمسئوليته تجاه الواقع الذي يعيشه ودفعه نحو الحركة الإيجابية حتى يغير هذا الواقع بتغيير ما في نفسه أولاً ؛ وبذلك ينصلح حال الفرد والمجتمع " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " (الرعد، آية : 11) .