إشكالية التعدي على الاملاك ووسائل حمايتها في الاسلام

إشكالية التعدي على الاملاك ووسائل حمايتها في الاسلام

 إشكالية التعدي على الاملاك ووسائل حمايتها في الاسلام

بقلم

أ.د.قيصر عبد الكريم الهيتي

أستاذ الدراسات الاقتصادية الاسلامية في كلية العلوم الاسلامية

 

      بداية الاملاك جمع مفرده ملكية ويصح الجمع ملكيات ايضا ، ويعلم الجميع أن الملكية تعني : صلة بين الانسان والشيء ، تمكنه من الانتفاع به ( استعمالا واستغلالا ) والتصرف فيه ، وبالمقابل تمنع غيره من هذا التصرف .

    لا شك أن الملكية الاصلية المطلقة هي ملكية الله عز وجل وأما ملكية البشر في ملكية مقيدة وملكية وكالة ، وهذا يعني أن الانسان وكيل عن الله عز وجل في التصرف في ملكه ، وبالتالي فالانسان ينوب في تصرفاته بهذه الاملاك عن مالكها الاصلي هو ربنا جل جلاله .

    وفي هذا السياق فان حب التملك فطرة عند الانسان قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ? ذَ?لِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ? وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) آل عمران ، 14 (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) الفجر ،20 ، وقد اباحت الشريعة التملك المشروع الحلال سيما العامل نتيجة عمله وانتاجه .

         والتعدي له معان عدة تدور في محور واحد ، اهمها الظلم ومجاوزة الحد المأذون فيه شرعا ويعني ايضا الانتهاك والتصرف بغير حق ، وينقسم التعدي على الأملاك إلى أربعة أقسام:

الأول: أخذ الرقبة-أي ذات الشيء-، وهو الغصب.

الثاني: أخذ المنفعة دون الرقبة، وهو نوع من الغصب.

الثالث: إتلاف الشيء كقتل الحيوان، أو قطع الشجر، أو حرق الشيء.

الرابع: التسبب في التلف كمن فتح حانوتاً لغيره فسُرق، أو حل رباط دابة فهربت، أو استعمل آلة لغيره بلا إذنه فاحترقت ونحو ذلك.

        وقد اتخذ الاسلام جملة من التدابير ( معنوية ومادية ) من أجل حماية الاملاك من مخاطر التعدي او الضياع او الهلاك وهي كثيرة نختار منها :

أولا : تقوى الله عز وجل في كسب الأملاك وإنفاقها وإدارتها وفق متطلبات الرقابة الإلهية ( الذاتية )

ثانيا : توثيق الديون

      راعت الشريعة الإسلامية مصالح الناس، ودعت إلى حفظ أموالهم، عن طريق توث?ق الديون والمعاملات، إذ إن عدم توثيقها يسبب الخصومة، والنزاع الذي يمكن أن ينشأ بسبب نسيان الديون، أو السهو عنها، أو جحودها، لاسيما إذا طال عليها الزمن، لذلك شرعت بعض الوسائل التي من شأنها أن ترفع النزاع بين الناس، وتزيل الشكوك في نفوسهم، وتحفظ لهم حقوقهم من الضياع، ومن هذه الوسائل الكتابة، والشهادة، والإقرار، والرهن، كما ورد تفصيله في آية الدين ، وكذلك الكفالة كما ورد بشأنها في سورة يوسف .

ثالثا : إعلان تحريم التعدي على الاملاك في الاسلام

     وافضل مثال على ذلك تصريح القران الكريم والسنة النبوية على تحريم الاسراف والتبذير والسرقة والغصب ...الخ .

رابعا : رقابة الدولة وفرض العقوبات على من يتعدى على الاملاك

      القيام بمراقبة الأسواق وما يجري فيها من بخس الناس حقوقهم واجب شرعي على الدولة ، ( كما في غش السلع، والتطفيف في الكيل والميزان، والتغيير في الأسعار، والتعامل بالمعاملات المحرمة )

   وقد اتخذ النبي وسائل عدة لحماية الاملاك ومراقبتها منها : |

ما ورد بشأن محاسبة العمال الذين يعملون في القطاع العام، أو الحكومي :

 - ففي حديث أبي حميد? الساعدي قال: «استعمل النبي لا رجلا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة (جمع أموال الزكاة)، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، قال: فقام النبي فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل، مما ولاني الله ، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هدية، أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا يأخذ أحدكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة .....)

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا. فقال: ((ما هذا يا صاحب الطَّعام؟ قال: أصابته السَّماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطَّعام كي يراه النَّاس؟ من غشَّ فليس منِّي  ))

       أما عن العقوبات فالنصوص كثيرة في ذلك نختار منها ،قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة ، (179)  قوله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة (38)

       وحديث عائشة -رضى الله عنها-: "أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ?؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله ?؟، فكلمه أسامة، فقال رسول الله ?: أتشفع في حد من حدود الله؟، ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يداها[1]، متفق عليه.

    ولا ننسى ان نذكر العقوبة التعزيرية ( وهي عقوبة غير مقدرة شرعا ) قد تبدأ بنظرة أو بكلمة اتق الله وقد تنتهي بالنفي او القتل بحسب الجرم المرتكب .