التعامل مع شبهات المعاصرين

التعامل مع شبهات المعاصرين

            مقال بعنوان : التعامل مع شبهات المعاصرين

 

أ . د . إبراهيم رجب عبد الله / قسم العقيدة والدعوة والفكر

                          بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله  رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وبعد:ـ

    نرى أن الشبهات ([1]) التي تثار ضد الدين الإسلامي قديما وحديثا ما هي إلا جرعات منشطة تزيد من إيمان المسلمين بدينهم ، بل وتهدي الكثير إلى هذا الدين الحق، وذلك من خلال الرد على هذه الشبهات وبيان تهافتها الواحدة تلو الأخرى ، وإثبات أن هذا الدين هو وحي موحى به من السماء ، وما هو بقول بشر ، وبذلك تترسخ حقائق هذا الدين في نفوس المسلمين وتثبت لهم بأنهم على أرض صلبة لا يخشى منها أو عليها . لذا فلا نجد مبررا للتستر على هذه الشبهات والتهرب منها بحجة أنها تثير الشكوك في عقول بعض المسلمين ، لا سيما ونحن في عصر تصل فيه المعلومات والأفكار والآراء إلى الشخص وهو جالس في بيته يتصفح في الانترنيت وعبر وسائل التواصل ، أو وهو يقلب القنوات الفضائية ، فلم يعد شيئا مخفيا عن أحد ، لذا فالأولى أن نستغل هذه التكنولوجيا ونوظفها لصالح الإسلام في هذه المسألة ، وذلك من طريق الرد على هذه الشبهات ، والتستر على الشبهات لا أساس له في الدين، إذ نجد القرآن الكريم يعرض الشبهات ومن ثم يفندها مثال قوله تعالى: ((بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) الأنعام :  101وقوله: (( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )) الأنبياء : 22 وقوله تعالى : (( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )) يس : 78ـ79 . وغيرها الكثير .

    وبتطور العلوم الصرفة والتكنولوجيا والدراسات اللغوية والنفسية والاجتماعية في العصور الأخيرة زادت هذه الشبهات وأصبحت تعرض وفقا للمناهج العلمية المعاصرة ، لذا يجب أن يكون التصدي لها على مستوى التحديات ، لا أن نبقى نجتر العلوم والمعارف القديمة في الرد على شبهات متلبسة بالعلوم المعاصرة ، لذا نرى أنه من فرض الكفاية أن يعي المسلمون هذه الشبهات كل في مجال تخصصه للدفاع عن العقيدة الإسلامية ، وهذا ما نستطيع أن نطلق عليه علم الكلام المعاصر ، فكما أن علم الكلام القديم تصدى لجميع الشبهات التي أثارها القدماء على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم ، فنرى من الضرورة أن يتصدى الآن علم الكلام المعاصر لجميع هذه الشبهات المعاصرة ، ولا يكون ذلك عن طريق علماء الشرع فحسب ، وإنما عن طريق تكاتف علماء ومفكري المسلمين في العلوم الطبيعية والاجتماعية والنفسية واللغوية المعاصرة للارتقاء بالفكر الديني الإسلامي بما يتلائم مع العصر.

     لا ننكر أن كثيرا من هذه الشبهات التي أثارها المعاصرون من مستشرقين ومفكرين عرب أو أجانب ما هي إلا صياغة لشبهات قديمة ، لكن هذا لا يعني أن ليس هناك شبهات معاصرة وجديدة ظهرت نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي في القرنين الماضيين .

    كثير من الشبهات المعاصرة نجد أصولها عند ابن المقفع (ت142هـ- 759م ) وابن الراوندي (298هـ -910م ) وأبي بكر الرازي (ت311ه - 923م ) وغيرهم، فتثار هذه الشبهات في كل عصر من العصور ـ وتضاف إليها بعض المستجدات ، بعد أن يلبسها أصحابها لبوس تتماشى مع مناهج ومذاهب وثقافة ذلك العصر، فأغلب مناهج المعاصرين في إثارة الشبهات هو إعادة صياغة آراء المشككين والمنكرين للدين في مناهج الحديثة مثل التجريبية والعقلانية والتحليلية ونظريات التطور والنشوء والارتقاء والتحليل النفسي والمدارس النقدية اللغوية المعاصرة . فضلا عما إثاره بعض المستشرقين في العصر الحديث من الشبهات بشأن القرآن الكريم والسيرة النبوية والإسلام من أمثال كوسان دي برسفال (1795-1871) ، ونولدكه (1836-1930) ، جولد زيهر(1850-1921)، ولامانس(1862-1937) ، ومرغليوث(1858-1940) ، وكازنوفا (1879-1937)، وجب (1895-1971) وشاخت( 1902-1969)  وغيرهم الكثير.([2])

وأشهر وأخطر ما تثار اليوم من شبهات هي ما كان من داخل المنظومة الفكرية الدينية فتثار تحت شعار غربلة التاريخ ، وإعادة قراءته، ومعرفة المسكوت عنه ، وظرفية الأحكام الشرعية وفقا لظرفية وتاريخية النصوص المقدسة بمناهج أوربية معاصرة مثل البنيوية والتفكيكية والتأويلية ... الخ، ويجب التمييز بين من كان هدفه تجديد وتشذيب الدين من الخرافات والأوهام الباطلة التي لصقت به عبر القرون، وبين من يهدف الى زعزعة الثوابت والأصول الدينية في نفوس المسلمين لا لشيء آخر. ولا يكون ذلك التمييز والتعامل إلا بعقول متفتحة مستنيرة قادرة على التعامل مع هكذا مسائل دقيقة وحساسة ، كي لا ينقلب ما يراد منه خيراُ  إلى خلاف ذلك ،  ولكي لا يُتهم المسلمون بالجمود والسطحية والتخلف .

المقترحات :ـ

1.    على القنوات الفضائية والمواقع الدينية عرض جميع الشبهات التي تثار ضد الدين الإسلامي بموضوعية تامة ومن ثم تفنيدها.

2.    أن يكون تفنيد الشبهات بحسب المناهج التي عرضت بها وبالأسلحة ذاتها لا أن تستعمل طرق الوعظ والخطابة الدينية أو السب والشتم ، فهذا يعد ضعفا من الراد، وبالتالي يحسب ضعفا في الدين من وجهة نظر المناوئين.

3.    أن يراعى في عرض الشبهات والرد عليها المستويات الذهنية والثقافية للمسلمين كافة .

4.    استغلال هذه الشبهات والرد عليها في نشر الدين الإسلامي من خلال تبيان أنه ذو مصدر إلهي ، ولذلك فهو قادر على التصدي والرد على جميع ما يثار ضده من شبهات.

5.    إصدار موسوعة شاملة تتضمن جميع الشبهات والرد عليها يقوم على إشرافها علماء من جميع الاختصاصات العلمية والإنسانية والدينية .

6.    على علماء المسلمين والخطباء والدعاة عدم الاستشهاد في مؤلفاتهم وخطاباتهم بكل ما يتعارض مع النصوص الدينية الثابتة سواء في الأحاديث أو التفسير أو التاريخ أو السيرة أو الفقه كي لا يستغل من قبل المناوئين للإسلام .

7.    عدم استعمال الأكاذيب في مجال العلم لغرض الادعاء بتبيان فضل الدين في كشف الحقائق العلمية . لان ذلك يعد إساءة للدين لا نصرة له .

8.    أن تتبنى الجامعات في العالم الإسلامي عرض هذه الشبهات والرد عليها في مختلف الأقسام سواء العلمية الصرفة أو الإنسانية أو الدينية ، وكل بحسب اختصاصه ، لا أن يقتصر تدريسها على أقسام معينة في الكليات الدينية كما هو معمول به الآن .

 



(1) شبهات جمع شبهة والشبهة في اللغة والمقصودة في بحثنا هذا تعني المشكلة أو الالتباس، والمراد بها شرعا مسألة التبس فيها الحق بالباطل أو الخطأ بالصواب ( ينظر، ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير ، محمد أحمد حسب الله ، هاشم محمد الشاذلي ، دار المعارف القاهرة ، مادة شبه ، ج4، ص 2190) و (ابن قيم الجوزية ، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (ت751هـ) ، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة دار الكتب العلمية ،بيروت ، ج1، ص140)

 

(1) ينظر: على سبيل المثال ، النعيم ، عبد الله محمد الأمين ، الاستشراق في السيرة ،المعهد العالمي للفكر ، هيرندن ، فرجينيا ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ط1 ، (1417ه - 1997م) ، ص 50 – 51 ، 60-63 ، 70 ، 97، 107 – 108. الجبري ، عبد المتعال محمد ، السيرة النبوية وأوهام المستشرقين ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، من دون تاريخ ، تنظر الصفحات على سبيل المثال لا الحصر ،ص 18 ، 57 – 59 ، 96 ، 73 ، 150 ، 135 – 156 .