الدعاء وما يتعلق فيه من أحكام

الدعاء وما يتعلق فيه من أحكام

                                ( الدعاء وما يتعلق فيه من أحكام )

 

أ.د خيري شاكر محمود

قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي , فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ , فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي , وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

معنى الدعاء :

هو التَّوجُّه إلى الله بالرغبة إليه فيما عنده من الخير، إما للثناء عليه، وإِما الابتهال إليه بالسؤال لدفع ضرّ، أو جلب نفع، وكلها عبادة لله سبحانه.

الآداب التي ترافق الدعاء ثلاثة قبل الدعاء، وخلاله، وبعده:

أولًا: آداب قبل الدعاء:

1-  التوبة ورد المظالم لأهلها.

قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}

2-  التقدم بين يدي ربه بحسن العبادة من الفرائض وبر الوالدين، والنوافل كالصدقة وغيرها التي يستجلب بها العبد محبة ربه تبارك وتعالى.

3-  تحري المال الحلال.

قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}

4-  أن يتحرى أوقات إجابة الدعاء مع شرف الزمان، والمكان.

ثانيًا: آداب عند الدعاء:

1-  استقبال القبلة عند الدعاء، مع التذلل والوقار.

2-  رفع اليدين عند الدعاء.

3-  الثناء على الله سبحانه وتعظيمه، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم

4-  العزم والجزم في المسألة.

 

ثالثًا: آداب بعد الدعاء.

1-  أن يوقن بالإجابة، ويحسن الظن بالله سبحانه، ولا يستعظم المسألة.

2-  أن يستمر في الدعاء في الشدة والرخاء.

3-   ألا ييأس من الدعاء، ولا يقول؛ دعوت دعوت ولم يستجب لي، ولا يستعجل الإجابة.

حُكْمُ الدُّعَاء:

1-  يلخص حكم الدعاء في قول : رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ) ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

2-  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَالَ: ( لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ).

3-  قال إبراهيم الخواص : دواء القلب ثلاثة ،: خلاء البطن، وتلاوة القرآن بالتدبر، والتضرع عند السحر.

فضل الدعاء:

أجابة الدعوى أو أدخارها لصاحبها يوم القيامة:

فقد ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ:  تَلَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَ اللهِ - عز وجل - فِي إِبْرَاهِيمَ:

{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ , فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي , وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

 وَقَوَلَ عِيسَى - عليه السلام -: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ , وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

 فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي , أُمَّتِي , وَبَكَى , فَقَالَ اللهُ - عز وجل -: يَا جِبْرِيلُ , اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ , فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَسَأَلَهُ , فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَالَ - وَهُوَ أَعْلَمُ - فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ , اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ .

هنا يقول الامام الغزالي (رحمه الله):

ان ارجأ سورة في القران هي سورة الضحى . لماذا لان فيها قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ). ولا يرضى سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم, واحد من امته في النار .

اصناف الادعية:

1-    دُعَاءُ الْمَلَائكَةِ لِلْمُسْلِمِين:

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ( إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ , فَقُولُوا خَيْرًا (1) فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ  عَلَى مَا تَقُولُونَ , قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ , أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ ,فَمَا أَقُولُ؟  ,فَقَالَ: " قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ , وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً , قَالَتْ: فَقُلْتُ , فَأَعْقَبَنِي اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ , مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم ).

 (1) أَيْ: قُولُوا لِلْمَرِيضِ: اللَّهمَّ اِشْفِهِ , وَقُولُوا لِلْمَيِّتِ: اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ.

2- دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جَوْرُ السُّلْطَانِ :

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: ( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ (1) فَاشْقُقْ عَلَيْهِ (2) وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ , فَارْفُقْ بِهِ ).

 (1) أي: أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الْمَشَقَّةَ , أَيْ: الْمَضَرَّةَ.

(2) الدُّعَاءُ عَلَيْهِ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَشَقَّةِ جَزَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْفِعْلِ، وَهُوَ عَامٌّ لِمَشَقَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

مَظَانّ إِجَابَة الدُّعَاء:

1-   الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْن:

 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ  فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ .

 الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة:

1-  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " إِذَا نُودِيَ بِالصَلَاةَ , وفي رواية: إِذَا أُقِيمَتْ الصَلَاةُ ,  فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ .

2-    قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -:   إِنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَادْعُوا.

3-    إِجَابَة الدُّعَاء عند الرخاء :

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -:  مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ , فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ.

4-   الدُّعَاء وَقْت السُّجُود:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ

5-   الدُّعَاء دُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَات:

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ   قَالَ :  جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ , وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ.

6- الدعاء يوم الجمعة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ, وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا , وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ , وَفِيهِ  مَاتَ  , وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ , وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً (9) حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا  مِنْ السَّاعَةِ , إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ , وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ , وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي , يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى فِيهَا شَيْئًا , إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ , وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرٍّ , إِلَّا أَعَاذَهُ اللهُ مِنْهُ , وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا)

 (9) مُصيخة: مُصْغِيَة مُسْتَمِعَة , يُقَال: أَصَاخَ , وَأَسَاخَ , بِمَعْنًى وَاحِد.

آثار تَرْكُ الدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ:

رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , أَنَّهُ قَالَ :  تَرْكُ الدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ يُضَيِّقُ الْعَيْشَ عَلَى الْوَلَدِ، وَهَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْضِيَهُمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا؟ قِيلَ لَهُ: بَلَى يُرْضِيهُمَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

 أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمَا مِنْ صَلَاحِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَصِلَ قَرَابَتَهُمَا وَأَصْدِقَاءَهُمَا.

الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمَا وَيَدْعُوَ لَهُمَا وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا .