الغضب و علاجه بين  الشريعة الإسلامية  وعلم النفس

الغضب و علاجه بين الشريعة الإسلامية وعلم النفس

 الغضب و علاجه بين  الشريعة الإسلامية  وعلم النفس

   من التغيّرات النفسية التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية هي الشعور بالغضب ،والتوتر، والانفعال النفسي ؛نتيجة لضغوط نفسية أو ظروف معينة ، ،فيصاب الإنسان  بالشعور بالغضب والانفعال، فتنعكس آثار  ذلك على تصرفاته وسلوكه ،وقد يحصل له آثار جسدية وتغيّرات سلوكية ونفسية .

بقلم : أ.د. خالد عامر الشويخ

 

وكلـّنا معرّض إلى هذه الحالة،فالغضب والتوتر النفسي يصيب كل إنسان صغيرا" كان أو كبيرا" ،     لكن الأمر الذي يختلف من شخص إلى آخر ،هو الاستجابة إلى ذلك الشعور، والقدرة على السيطرة    عليه .

 

فكلنا يواجه هذا اللون من الاستفزاز الذي هو اختبار لقوة الإنسان على الانضباط ، ولكن هنالك غضب يعد تصرفاً طبيعياً ،ورد فعل اعتيادي ؛بل ربما يكون  مطلوب القيام به أحيانا ، وهذا الشعور ليس بالشعور المرضي .

 

 وهنالك غضب  مذموم وهو  الذي يصل إلى تلك الحالة  المرضية  التي تتصف بالإفراط  وهي   :

إن يخرج الغضب عن حد الاعتدال  إلى حد المبالغة والغلو ،ويطغى على العقل والسلوك الشرعي للمرء .

 فترى الإنسان في هذه الحالة يخرج عن سياسة العقل وحدود الشرع ، ولا يبقى للمرء معها بصيرة وحكمة وفكر، وقد يؤدي هذا النوع من الغضب إلى الهلاك من حيث لا يدري، فربما جرّه غضبه بسبب أمر يسير إلى ارتكاب جريمة كبرى، أو إلى تصرفات لا يرتضيها  لنفسه ،ولا ينتبه لذلك إلا بعد فوات الأوان .

ومعلوم إن ذلك النوع من الغضب مذموم شرعا" وعقلا" وهذا النوع من الغضب هو المقصود من قول النبي  صلى الله عليه وسلم الذي أشار إليه بقوله :

(( ليس الشديد بالصرعة ، إنـّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب  )) .   

 

   اما أصحاب علم النفس الحديث فقد تناولوا ظاهرة الغضب كثيرا" ،وعدَوا تلك الظاهرة من الإمراض النفسية ، سيما إذا أصبحت  تلك الظاهرة ملازمة لشخصية معينة وتفصيل ذلك بذكر الآتي: 0

 

* مكونات الغضب

  للغضب ثلاث مكونات رئيسية :-

?- خاطرة أو تفسير لسلوك خارجي يمثل خطرا واقعا أو وشيك الوقوع ، مع الشعور بالتعدّي على الشخصية مثل ( انه يتعدى على كرامتي ، انه خائن ، لم يعطني حقي ، انه لا يحترمني ، ونحو ذلك )

 

?- استجابة عضوية تشتمل على  : التوتر العضلي ، والتلاحق السريع في عملية التنفس ، تسارع في دقات القلب بسبب تزايد النشاط الهرموني ، توتر عضلات الوجه ، ارتفاع معدل ضغط الدم ،واتخاذ وضع الهجوم .

 

?- القيام بسلوك خارجي يتفاوت بين الهجوم اللفظي بالشتم والكلام والصوت العالي، إلى درجة الهجوم البدني بالتعارك والعنف ،وربما إيقاع أذى عضوي بالطرف الآخر والقتل .

وقد يكون الفرد سريع الانفعال بشكل عام و لأتفه الأمور ،وقد ينحصر انفعاله في مواضيع معينة تثير حساسيته تجاه ذلك الأمر المعيـّن

 

* أسباب الغضب

    و للغضب أسباب ودوافع كثيرة تساعد على ظهور التوتر والانفعال النفسي، أو على تزايده ، أو على جعله سمة وصفة  ملازمة يتصف بها بعض الإفراد في حياتهم الاجتماعية منها :

ما تحدث عنها الإمام الغزالي – رحمه الله – بقوله:

 (( والأسباب المهيّجة للغضب هي الزهو، والعجب ،والمزاح، والهزل ،و الهزء ، والتعيير، والمماراة ، والمضادة ، والغدر ، وشدة الحرص على فضول المال والجاه ، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا"))

 

ومن أسباب الغضب أيضا" الجهل بحقيقة الغضب فترى البعض يعتبر الغضب شجاعة ،ورجولية ،وعزة نفس، و بعضهم يُلقـّب الغاضب  بالألقاب المحمود حتى تميل النفس إلى الغضب وتستحسنه  .

 

وهنالك أسباب بيئية واجتماعية تساعد على حدوث التوتر والغضب ، منها الإرهاق في العمل وخارج البيت، وعدم الراحة النفسية، وكذلك حدوث بعض الإمراض سيما إذا كان لها عوق خارجي مما ينعكس على سلوك الفرد؛ وذلك لشعوره بأنه اقل من الآخرين، وكذلك عدم الانسجام العائلي ،وعدم وجود الترابط الأسري والاجتماعي لدى بعض الإفراد ، وكذلك بعض الأزمات المادية. ونحو ذلك .

 

* العلاج :

 

    إن حالة الغضب والتوتر والانفعال النفسي ليس من الأمور التي يصعب علاجها أو التغلب عليها ، سيما إذا كان ذلك الفرد يتمتع بالحصانة الإيمانية الشرعية التي تساعد على الحد من تلك الحالة عندما يُذكـّر بالرجوع إلى الله، وعدم الإفراط في الغضب.

 

وهنالك أساليب كثيرة تناولتها الشريعة الإسلامية  تساعد على تخطي حالات الغضب 

منها :-

?- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم :-

عن سليمان بن  مرة قال ((  استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس و أحدهما يسب صاحبه مغضبا" قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ،لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم------- الحديث)).

?- السكوت :- إن مما يعين على التغلب على الغضب هو السكوت وعدم الكلام؛ لان في ذلك مأمناً من الانزلاق في فحش الكلام وتوابعه .

فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله :-

(( إذا غضب أحدكم فليسكت ))

 

?- تغيير الحالة التي يكون عليها الإنسان ساعة الغضب: فيجلس إن كان قائما ،ويضطجع إن كان جالسا ، ويمشي إن كان واقفا

فقد ورد عن أبى ذر رضي الله عنه انه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال لنا :-

(( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فان ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع ))

وقد ثبت علميا" إن الهرمونات التي يفرزها الجسم عند الغضب تنخفض بالاستلقاء  

?- الوضوء :-

 فقد ورد عن  النبي محمد  صلى الله عليه وسلم انه قال :- (( إن الغضب جمرة من النار وان الشيطان خـُلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ))

?- استحضار ما جاء في الشريعة الإسلامية في كظم الغيظ من الفضل ، وكذلك الإيمان بأن ما وقع      – أي الأمر الذي أدى إلى الغضب – بأمر الله وتقديره .

 وليعلم إن كل ما جرى ،جرى على وفق مراد الله ، فليتقبل مراد الله وليؤخر مراده وليسكن غضبه وليتعوذ   قال تعالى :-

((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ  الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) 0

6- معرفة مساوئ الغضب .

  وهي كثيرة وتعود بالضرر على النفس و المال وعلى الآخرين، فينطلق اللسان بالسب والشتم، وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب وقد يصل الأمر إلى القتل .

وقد ينتج عن الغضب الويلات الاجتماعية ،وانفصام عرى الأسرة وتصدع كيانها وهو الطلاق . والكثير من الذين طلـّقوا نساءهم كان السبب هو لحظة غضب .

ومن مساوئ الغضب  أيضا حدوث  الأضرار الجسدية كتجلط الدم ،وارتفاع الضغط ،وتسارع ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ،وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو إلى مرض السكري ونحو ذلك 

 

وهنالك أساليب أخرى لعلاج حالات الغضب أشار إليها علماء النفس فضلا عن الأساليب السابقة منها :-

 

ـ  مواجهة الأسباب و تقليل الحساسية الانفعالية ،وذلك بتدريب المريض تحت إشراف طبيب أو شخص ممارس  على ممارسة الاسترخاء مع مواجهة المواقف الصعبة التي تثير غضبه ،فيتدرب على مواجهتها دون غضب أو انفعال .

ـ  الاسترخاء النفسي والعضلي

- ممارسة التمارين الرياضية و أهمها رياضة المشي المنتظم .

- الامتناع عن تناول المواد التي تسبب الإدمان كالتدخين وشرب الخمور وتعاطي

   المخدرات .

- اخذ القسط الكافي في الراحة والنوم وعدم الإرهاق المفرط للجسم .

- التنفس العميق ، فهو يساعد على التقليل من حدّة التوتر والغضب ،وذلك بأخذ نفس عميق وطويل و إخراجه ببطء ، فهذه الطريقة تساعد على تقليل ضربات القلب السريعة ،وتعود بالمرء إلى حالته الطبيعية قبل التوتر

- إيجاد الأعذار وصنعها للذين يضعون الفرد في حالة توتر عصبي ؛ لان ذلك سيقلل

   من الغضب والانفعال تجاههم .

- عند  الشعور بالتوتر بعد العجز عن حل مشكلة معينة ،يفضـّل إن يستعين المرء بالبوح بالمشكلة للأقارب أو الأصدقاء .

- عندما يشعر الإنسان بضغط نفسي ،أو تتراكم عليه أسباب تدعوه إلى الغضب، يفضـّل  له الخروج إلى الأماكن العامة والحدائق و الأماكن الخضراء .