بالعلم نعصم الفكر من الانحراف ونسلمه من الشبهات

بالعلم نعصم الفكر من الانحراف ونسلمه من الشبهات

 بالعلم نعصم الفكر من الانحراف ونسلمه من الشبهات

ا. م. د. فاضل محمد كمبوع الزيدي

 قسم التفسير وعلوم القران 

 

الحمد الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ,الحمد لله الذي جعلنا من امة اقرا وربك الاكرم,  والصلاة والسلام على معلمنا ومرشدنا وقائدنا محمد –صلى الله عليه وسلم-

وبعد...

    فالعلم هو من اساسيات نمو المجتمعات والبلدان, اذ يمهد السبيل لاكتشاف كل ما ينفع الانسان ويرقى بالمجتمعات, فالعلم هو المنارة التي  يسترشد بها الناس لتحقيق سبل التقدم والتطور, كما ان هناك دورا بارزا للعلم في تغيير نط التفكير عند الانسان  وجعله اكثر فائدة واكثر تأثير في التغيير نحو الافضل, به تبدد الظلمة وتنكشف الغمة, وهو السلاح الفعال لكل فرد به يتحصن من الانحراف وبه يبني وبه يسمو , وهو اساس السعادة الحقيقية.

    وللعلم مكانه كبيرة في الدين, فقد امر الحق -سبحانه وتعالى- العباد بطلب العلم والتعلم , ورفع درجات العلماء وفضلهم على من سواهم وخصهم بمزيد من الاجر والثواب, ورفع درجاتهم وخاصة من يقدم خدمة للبشرية وينفع بها الناس , اذ قال تعالى " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" لما لهم من المنزلة والفضل على الناس بعد فضل الله عز وجل , كما جعل لطالب العلم مكانة عظيمة وجعل طلب العلم فريضة وسهل الطريق لطالب العلم, لان طلب العلم من اسمى الاشياء واكثرها نفعا , فالعلم  يحظى بمنزلة دينية ودنيوية فالواجب على كل فرد ان يسعى للحصول على تلك المنزلة مها كان العمر او الظرف , فطلب العلم لا يتوقف على عمر او مكان معين, ومعلوم ان فضل العالم ا كثر من فضل العابد , فربما نفع العالِمً العالَمَ , والعابد ينفع نفسه او فئة معينة. ومن المعلوم انه بالعلم تبنى الحضارات وتتقدم الامم, وبالجهل يهدم ما بنى صاحب العلم وتصعب الحياة وتنقطع السبل ونعيش حياة الجهل والتخلف وكما قيل :

تعلموا.... فليس المرء يولد عالما                 وليس أخو علم كمن هو جاهل

 تعلموا.... فالعلم يرفع بيتا لا عماد له        والجهل يهدم بيت العز و الشرف.

   ولقد جاءت الآيات  مصرحة بذلك منها قوله تعالى:" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " وقوله تعالى" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " وقوله تعالى" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا " , وجاءت السنة مؤكدة وحاثة على ذلك , فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم" «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

   فبالعلم نخرج من دائرة الجهل والجهال وندخل دائرة الانوار, وبالعلم عرفنا الله , وعرفنا الأيمان  وعرفنا الدين الحق , وبالعلم حُفظَ كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وبالعلم ارتقى الانسان بحياته من البدائية الى الاحترافية والتفنن والاتقان حتى اصبح الانسان بالعلم يصعد الى الفضاء الخارجي, ويبني ناطحات السحاب, وبالعلم اصبح العالم قرية صغيرة ,فما اشرف العلم وما انفعه وما اعظم مكانته.   

   قال فيه السلف والخلف كلاما يطرز بماء الذهب ويبقى في اذهان من يعرف قدر العلم, فقد قال فيه الفاروق عمر-رضي الله عنه-“العلم إن لم ينفعك لم يضرك”.

وقال فيه عثمان بن عفان –رضي الله عنه-“لكل شيء آفة، وآفة العلم نسيانه”.

وقال فيه علي بن ابي طالب –رضي الله عنه- “ليس اليتيم من مات والده إن اليتيم يتيم العلم والأدب”

وقال فيه بن مسعود-رضي الله عنه-“اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تغد إمعة بين ذلك”.

وقال سلمان الفارسي-–رضي الله عنه-“إنك لن تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولن تكون بالعلم عالمًا حتى تكون به عاملاً”

وقال فيه الشافعي- رحمه الله- العلم صَيْــدٌ والكتابة قيدُه   ***    قَـيــِّدْ صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة     ***   وتردها بين الخلائق طالقة.

وقال فيه الاصمعي: “ أول العلم الصمت والثاني الاستماع والثالث الحفظ والرابع العمل والخامس نشره.

وقال ابن الوردي : “ اطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الخير على أهل الكسل ”.

ويقول مصطفى السباعي: ثلاثة تقوي اضعف الأمم : العقيدة الصالحة ، والعلم النافع ، والأخلاق القوية .

وقال احمد شوقي عن العلم: “ فخذوا العلم على أعلامه ، واطلبوا الحكمة عند الحكماء ”.

وقال المتنبي:   فقر الجهول بلا عقل إلى أدب         فقر الحمار بلا رأس إلى رسن

وتحدث العالم آدم سميث عن أهمية العلم وقال: “العلم هو دواء لسموم الخرافات”.

وقال أفلاطون : “ قليل من العلم مع العمل به أنفع من كثير من العلم مع قله العمل به”.

     إذن العلم سر في كثير من النجاح، ومن أمضى أسلحة الكفاح , فما لنا يا أمة اقرأ لا نقرأ، ولا نوقر العلم كما ينبغي له أن يوقر؟ والعلم هو اهم العناصر في تطور اي امة من الامم, كما ان التعليم يوسع المدارك ويعزز نظرة الشخص الشمولية للعالم, فبالعلم تبنى المجتمعات القوية المتماسكة والتي اعتمدت على نفسها في تعليم ابنائها لكي يكون هناك جيل واع متعلم بإمكانه النهوض بالمجتمع في كافة جوانب الحياة, والعلم يحمي المجتمع من سيطرة الافكار الهدامة والاكاذيب المضللة من اناس يريدون الشر بالمجتمع , وبزيادة عدد المتعلمين في المجتمع تقل المشاكل الناتجة عن الجهل وعدم المعرفة كالجريمة والقتل وظاهرة التسول والمشاكل السلبية الاخرى.

      فالعلم والتعليم  ضرورة من ضرورات الحياة، وهو الركيزة الأساسية لأي تطور ونماء اجتماعي واقتصادي، وهو الجسر الوحيد ووسيلة العبور إلى المستقبل الزاهر المشرق , والعلم كما جاء في الأثر (نور، ونور الله لا يؤتى لعاص). والعلم شعلة خالجة لا تنطفئ، وهو جذوة تشعلها النخبة المتعلمة لتضيء الآخرين، ومنارة تستهدي بها الأجيال والأجيال المتعاقبة، فبالعلم والمعرفة يمكنك أن ترى العالم من حولك بعيون مستبصره، وبالعلم يمكنك الاستفادة من الوقت والحياة، وبالعلم وحده بناء الفرد والمجتمع، وبالعلم تُصنع الحياة الراقية في الملبس والصحة والمحيط والبيئة، وبه تتغير مظاهر الأشياء نحو الأفضل والأجمل، وبالعلم يزدان الإنسان ليكون أهلاً لخلافة الله في الأرض0

   ولنعلم ان الأمية داء خطير، ولقد جعل الله لكل داء دواء، فكان الدواء  الأخذ بالعلم والمعرفة، والأمية لا تنحصر في جانب واحد بل تهدّد العالم بأسره، فهناك أمية القراءة والكتابة، وهناك الأمية الحضارية؛ حيث العولمة وما لها من سلبيات ,وهناك الأمية الدينية؛ حيث يسود العالم الآن الغلو والتطرف، وهناك الأمية الثقافية؛ حيث تغلب الأنانية على المثقفين دون العمل لمجتمعاتهم، وهناك الأمية الاقتصادية؛ حيث تنتشر أحزمة الفقر والتخلف،. فبالعلم والمعرفة يتجاوز الإنسان كل التحديات والمعوقات ، فيُسخَّر بإذن الله تعالى ما في الذهن وما في اليد لتطويع وتذليل الصعوبات التي تعترض طريقه من أجل بناء حياة أفضل في محيط أجمل، لخلق مجتمع متحضر يقوم على العلم والعلماء, وبهذا نكون قد عصمنا الفكر من الانحراف وسلمناه من الشبهات... والله اعلم واحكم