أهمّيةُ الوقتِ في حياتِنا

أهمّيةُ الوقتِ في حياتِنا

أهمّيةُ الوقتِ في حياتِنا

م.م عمر هلال خلف

     على الله نتوكّل وبه نستعين، ونُصلّي ونُسلّم على سيّد الخلق أجمعين سيّدنا محمّد الأمين، وعلى آله ومن تبعه إلى يوم الدّين.. وبعد

      فقد أكّد الله تعالى في كتابه العزيز على أهمّية الوقت في حياة الانسان بشكل عام، وقد ورد الوقت في القرآن الكريم بصيغ متعدّدة منها: الدهر، والحين، والآن، والعصر، والصّبح، والليل.. إلخ

     هذا يدلّنا على ضرورة استغلال أوقاتنا أفضل استغلال، وذلك لأنّ فرص الحياة لا تتكرّر دائما، ومن ضيّع وقته فقد ضيّع نفسه وعاش حياته تائها لا يعرف دوره ولا مصيره، ولا ينجح في الوصول إلى غاية يطمح لها ولا إلى وسبلة يسلكها..

     يقول الله تعالى قاسما بالوقت أنّ الإنسان إذا لم يستثمر وقته بالخير كان من الخاسرين كما جاء في قوله تعالى: { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }.[سورة العصر 1-3]

     لو دقّقنا في هذه السّورة قليلة الكلمات كثيرة المعاني والغايات لوجدنا أنّها ثائرة بالحركة وبالإيجابيّة وبالحثّ على العمل النافع الذي يرفع الإنسان إلى دوره الحقيقي؛ والذي من أجله خُلق وكان خليفة في هذه الأرض وراعيا..

     وفي موطن آخر نجد التأكيد طاغيا على النّص القرآني ليبيّن لنا ثمين الوقت وكيف أنّ استغلاله يجب أن يكون بحكمة تصل بنا إلى برّ آمن في الدّنيا وفي الآخرة حيث قال ربّنا تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا }.[سورة النساء 103]

     يا لها من آية مدوّية لمن عايش نغمها وباين نظمها وكأنّها رعد من السماء ينذرنا بأهمّية الوقت وأهمّيّة إدارته إدارة صحيحة من خلال المحافظة على الصلاة التي هي أفضل عمل يمكننا أن نقوم به في دنيانا؛ كيف لا وهي الصلة التي بيننا وبين الله تعالى؛ وهي العروة الوثقى!!

      فصلاتنا في غير وقتها "بلا عذر" لا نكهة فيها، ولا تأتي أكلها، وهذا دليل صارخ على أهمّية الوقت، وعليه تقاس باقي أعمالنا..

     الوقت كالسيف – كما قيل – إن لم تغنمه يأخذك إلى متاهات مظلمة، وطرق مسدودٍ أكثرُها أو مهلكة..

الدنيا ساعة "وما أجمل هذه العبارة وما أرقاها" فلنجعلها طاعة، والطاعة من معانيها مطاوعة الأشياء والأحداث ومسايستها، ولا يجيد هذا إلا حكيم عارف دارك أهمّية الوقت وأهمّية إدارته واستغلاله بأفضل المشاريع التي تأتيه بأحسن وارد يرفعه في الدنيا والآخرة..

     وهنا لا بد لنا أن نستذكر كلام أميرنا وباب مدينة العلم سيّدنا عليّ "رضي الله تعالى عنه وأرضاه" حيث قال في هذا الصدد:

الدُّنيا ساعةٌ اجعلها طاعةً      والنّفسُ طمّاعةٌ عوّدها القناعة

هذا القول كلّ حرف فيه يشعّ مناديا أنّ الوقت ثمين وأثمن منه استغلاله بالحسنى قولا وعملا..

وأنّ خير الناس من ينجز أكثر في وقت أقل.

     لا يمكن لأمّة ان تتقدّم إلا إذا أحسنت إدارة وقتها من خلال التخطيط الجيّد والتركيز على المهمّات والأولويات؛ وهذا لا يختلف عليه منصفان، ولا ينكره متعمّق في مدارج العمل وإدارات الدّول ومدى عمقها الحضاري وإرثها الثقافي ودورها الريادي وتاريخها المتدفّق نجاحا وإبداعا..

     ولا خير في وقت يُستغلٍّ بما يهدم المبادئ والقيم، وبما يزيد الشّرور والفتن، وينشر الفساد والمِحن.. وهذا ما حذّر منه صراحة رسولنا r فيما يروى عن نفيع بن حارث الثقفي "رضي الله تعالى عنه" قال: «أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال من طالَ عمُرهُ وحسُن عملُه. قال: فأيُّ الناسِ شر؟ قال: من طال عمُرهُ وساء عملُه».[رواه الترمذي]

     وقال رسولنا r: «لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ».[رواه الترمذي]

     إدارة الوقت تكون ثمارها يانعة طيّبة إذا رويت بماء صالح، أما إذا اختلفت النوايا وكانت خلاصتها هدم ودمار فثمارها تكون حينئذ فاسدة مهلكة..

     من هنا تأتي أهمّية الوقت فهو – كما قيل – سلاح ذو حدّين، فقد تنحرُ به مُنكراً وقد ينحرُكَ بمنكره!

 

أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا، ويرزقنا استغلالها بما يرضيه عنّا، ويرفع قدرنا وقدر أمّتنا لنعيد لها مجدا عامرا بالعطاء الإيجابي والإبداع والنجاح.