الرياء وآفاته

الرياء وآفاته

 الرياء وآفاته

د. باسم محمد عبيد

 

   الرياء: هو اظهار العمل للناس؛ ليروه ويظنوا بمن عمله خيرا. فهو من أعظم آفات العبودية؛ لأنه محبط للأعمال , هادم للأركان، لو دخلت منه ذَرَّةٌ في العمل أفسدته , فهو من صفات المكذبين بالدين .

كما وصف الله حالهم منها :{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } الماعون : 6

وهو أصل عند المنافقين فلا يعمل عملا إلا والأصل فيه الرياء , قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلًا } النساء : 142

    فربما يأتي العبد بطاعات , ويعتني في عبادات من خير العبادات , فلما دخلها الرياء جعلها الله هباء منثورا , قال تعالى : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } الفرقان : 23

   ولننظر إلى هؤلاء الأصناف الثلاثة الذين أتوا بأفضل الأعمال , ورغم ذلك دخلوا النار بل أول من يُقضى عليهم يوم القيامة ؛ فلمّا لم تكن لله عُذِّبوا بها .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ , فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا , قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ , قَالَ : كَذَبْتَ , وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ , فَقَدْ قِيلَ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ . وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ , وَقَرَأَ الْقُرْآنَ , فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا , قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ , وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ , قَالَ : كَذَبْتَ , وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ , وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ , فَقَدْ قِيلَ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ , فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا , قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ , قَالَ : كَذَبْتَ , وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ , فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ؛ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ .

   إن في مصير هؤلاء الثلاثة الأشقياء , لعبرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد , ما بالهم وما الذي دهاهم ؟! أليس الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال ؟! أليس هو ذروة سنام الإسلام ؟! أليس للمجاهد في سبيل الله مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ؟! أليس الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ؟! ويسرحون في الجنة حيث شاءوا ؟!.

   أليس العلماء ورثة الأنبياء ؟ ألم يقل الله : { يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }  المجادلة : 11

    وهذا المتصدق المحسن الذي لا يترك سبيلًا يحبها الله إلا أنفق فيها , أليس الله يثيب على الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ؟.

فما الذي أصابهم وجعلهم أول من يقضى عليه ويقذف به في نار جنهم  أعاذنا الله من هذا المصير .

    لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب مصيرهم هذا , وهو أنهم لم يخلصوا لله في هذه الأعمال التي تبدو للناس أنها عظمية ، ولم يريدوا بها وجه الله. بل كانت مقاصدهم سيئة وأغراضهم فاسدة , هو حب الثناء من الناس والمدح والإطراء.

    لذلك وجب على العبد التحري في الأقوال والأفعال , والحركات والسَّكنات , وأن ينزع منها ذرات الرياء , وأن ينظر في كل عمله فما خلص يتقرب به , وما اختلط بغيره ينقيه أو يتركه .

   ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تنقية أعماله من الرياء لما فيه من خطورة الخفاء وعدم الظهور , ويسأل ربه المعونة على ذلك .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لَا تُسَاوِي , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ .

    فيجب على العبد أن يحقر عمله ويراعيه ويحفظه أن يسرق منه فلا هو استراح ولا استمتع به , ولقد كان للسلف حظٌ عظيم من خوف الرياء أشد من خوفهم من الذنوب خشية محو الطاعات .