موقف النحاة من القراءات القرآنية

موقف النحاة من القراءات القرآنية

 موقف النحاة من القراءات القرآنية

 أ.م. د عامر عبد العزيز

القراءات القرآنية هي الوجوه المختلفة التي وردت متواترةً عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بنصِّ المصحف قصداً للتَّيسيرِ على هذه الأمة مُوافقةً لِلَهجاتِهم() ، وقد وَقَفَتِ القراءات القرآنية– في نَظَرِ النَّحويين-على قَدَم المساواة مع القرآن الكريم في صحةِ الاستشهاد بها ؛ لأنَّها (جاءت على طريقةِ العربِ في كلامِها ، فخُوطبوا بمقتضى كلامِهم ، وبما يَعتادُون فيما بينهم()) ، إذ لا يُوجد كلامٌ أفصحُ منه ، لذا بَنَى النُّحاة قواعدَهم عليه وعلى قراءاته ، قال السيوطي: (أمَّا القرانُ فَكُلُّ ما وَرَدَ أنَّه قُرِئَ به جازَ الاحتجاجُ به في العربية سواء أكان متواتراً أم آحاداً أم شاذًّا ، وقد أطبقَ النَّاسُ على الاحتجاجِ بالقراءات الشَّاذّة في العربية إذا لم تُخالِف قياساً معروفاً ، بل ولو خالفته يُحْتَجُّ بها في مثل ذلك الحرف بعينه ، وإنْ لم يَجُرْ القياس عليه()) . والمُطَّلِعُ على التُّراثِ النَّحوي يَتَّضِحُ له (أنَّ موقفَ النَّحويين من القراءات موقفٌ مُوحدٌ لا يَخْتَلِفُ فيه كوفيّ عن بصريّ ...، فهم جميعاً كانوا لا يَقطعون بالقراءة إلاَّ إذا وجدوا لها من كلام العرب نظيراً ، وهم جميعاً كانوا لا يَتحرجون عن تخطئةِ القراءة ، أو تلحينِها إذا عجزوا عن فهمِها أو توجيهِها)()، وخيرُ مثالٍ على ذلك الفَرَّاء في معانيه ، فهو يخطّيء القُرَّاء ، ويلحن ويوجه القراءة ، وكتابه زاخرٌ بالأمثلة ، وقد أدركَ هذه الحقيقة أبو البقاء العكْبَري فقال : ( فكيف يُجْعَل ما وضَعَهُ النَّحويون للتَّقريب والتَّعليم ممَّا لا أصلَ له ولا ثباتَ حُجَّة على لسان العرب الفصحاء ؟!)() ، وفي هذا رَدٌّ على الفِكرة السائدة التي مفادها أنَّ النُّحَّاةَ أقدرُ على ضبطِ النَّصِّ القرآني من القُرَّاء أنفسهم ، وفي هذا يقولُ ابنُ جِنِّي : (وهو–أي : سيبويه- أضبطُ لهذا الأمر من غيره من القُرَّاء)() .

وقد علَّلَ الزمخشري سببَ تخطئةِ القُرَّاء في رواياتهم بـ(قلَّةِ ضبطِ الرُّواة ، والسببُ في قلَّةِ الضبطِ قلَّةُ الدِّراية ، ولا يَضْبِطُ نحو هذا إلاَّ أهلُ النَّحو)() .    والذي ذهبَ إليه الزمخشري فيه تَخَرُّصٌ على القُرَّاء ؛ لأنَّهم جميعاً عَدْلٌ يَعتبرون الرواية ، وخَطَّ المصحف ، ويَنبذون الرأيَ ، ويَتبعون السَّنَدَ ، وفيه عدمُ توفيةٍ لحَقِّ الإمامة والتقدُّمِ والعدالةِ والأخذِ عنهم()، قال ابنُ الجزري : (إذا ثبتَ التواترُ لا يَحتاج فيه إلى الركنين الآخرين من الرَّسم وغيره ، إذ ما ثَبُتَ من أحرفِ الخلاف متواتراً عن النبي- ?- وجبَ قبوله ، وقُطِعَ بكونه قرآناً)() .