ماذا بعد رمضان

ماذا بعد رمضان

 ماذا بعد رمضان

أ.د.م محمد مطني احمد

ها نحن ودعنا رمضان المبارك ونهاره الجميل ولياليه العطرة ، ها نحن ودعنا شهر القران والتقوى والصبر والرحمة والمغفرة والعتق من النار ، كانت أياما معدودة مرت مر السحاب وكل ذلك محسوب علينا ومن أعمارنا 

قال الله عز وجل ( يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )

أي: كتبناه عليكم من اجل أن تتقوا الله ، فهل تحققنا بالتقوى ... وتخرجنا من مدرسة رمضان بشهادة المتقين ؟ هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية ؟ هل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟ هل تغلبنا على العادات والتقاليد السيئة ؟

أسئلة  كثيرة .. وخواطر عديدة .. تتداعى في قلب كل مسلم صادق يسال نفسه ويجيبها بصدق .. ماذا استفدت من رمضان ؟

قال الله عز وجل ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ....) قال عبد الله بن كثير والسدي :هذه امرأة  خرقاء كانت بمكة  كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه ، وقال مجاهد:  وقتادة وابن زيد هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده

فلا تنقض غزلك وتضيع تعبك فيصبح هباء منثورا .. قال تعالى ( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )

ومن مضاهر نقض العهد بعد رمضان

1 : ما نراه من تضييع الناس للصلوات مع الجماعة فبعد امتلاء المساجد بالمصلين في صلاة التراويح التي هي سنة ... نراها قد قل روادها في الصلوات الخمس التي هي فرض .

2 : الانشغال بالأغاني والأفلام .. والتبرج والسفور والذهاب إلى الملاهي والمعاكسات !! وكأن الله لا يراهم في غير رمضان .

3 : هجر القران ، ففي رمضان عرف كثير من الناس قيمة القران الذي يهجرونه طوال العام فاستمعوا آياته تتلى آناء الليل وأطراف النهار ورتلوه فوجدوا في القران خير جليس ، أما  بعد رمضان يعلو المصاحف التراب ولا يقرا فيها ولا يتدبرها ، وقد روى البيهقي في شعبه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن القلوب تصدا كما يصدا الحديد قيل يا رسول الله وما جلاؤها قال : تلاوة القران وذكر الموت )

لقد كان سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده ، قال الله عز وجل عنهم ( يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) يفعلون العبادات ثم يخافون ألا يتقبل الله منهم ،

فمن علامات قبول العمل  أن ترى العبد بعد الطاعة أحسن حالا من حاله السابق، وان ترى فيه إقبالا على الطاعة ، قال تعالى : ( وإذ تأذن ربكم لان شكرتم لأزيدنكم ) أي:  زيادة في الخير الحسي والمعنوي

فالإتيان بالحسنة بعد الحسنة دليل على قبول العمل ، ومن شروط قبول التوبة العزم على عدم العودة إلى المعصية بعد أن تركتها وأقلعت عنها .

 

لقد علمنا رمضان الكثير والكثير ، وكشف عدم عجزنا ، وأننا نستطيع

علمنا أننا نستطيع الصيام وان كان يوما حارا طويلا متعبا فلماذا لا نصوم بعد رمضان هناك صيام الست من شوال والاثنين والخميس والأيام البيض وعشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم عاشوراء ... وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من صام يوما في سبيل الله ، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا )

علمنا أننا نستطيع الصدقة فقد كنا في رمضان نتصدق ونخرج زكاة الفطر ... فلماذا بعد رمضان قد قبضنا أيدينا وقد قال صلى الله عليه وسلم (ألا أدلك على أبواب الخير ؟ قلت بلى يا رسول الله ! قال : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار )

علمنا رمضان أننا نستطيع قيام الليل ، فقد كنا في رمضان نقوم الليل ، فما بالنا بعد رمضان تركناه ، فهو ليس مختص في رمضان إنما هو في طوال العام ، وهو من علامات المتقين ، قال الله تعالى ( إن المتقين في جنات وعيون* اخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين  *كانوا قليلا من الليل ما يهجعون )

فقم بين يدي الله ولو بركعتين والوتر ولا تفرط في يومك فإنما هي أيام وتلاقي الله ، فلا ينفعك سوى ما قدمت لله

نقول فيما بيننا في تهاني العيد من العايدين ومن الفائزين ، فمن هم الفائزون ؟ قال الله تعالى : ( فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز ) وقال : ( أصحاب الجنة هم الفائزون ) ...  فالفوز الحقيقي هو الجنة ونعيمها

فلا تكن ممن يعمل الحسنات الكثيرة ثم ياتي مفلسا يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم ( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا ، فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا ، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم . قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) .

وأخيرا قال الله تعالى ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )

هكذا يجب أن يكون العبد ، مستمرا على طاعة الله ، ثابت على شرعه ، مستقيم على دينه لا يراوغ روغان الثعالب يعبد الله شهر دون شهر أو في مكان دون آخر ، بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام

فيعبد الله حتى يأتيه الموت وهو على طاعة الله فيرضي الله عنه ن فيفوز (في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر)

فيا من اعتقه الله من النار إياك أن تعود إليها بعد أن صرت حرا من رق الأوزار ، أيبعدك مولاك من النار وأنت تتقرب منها ، إن كانت الرحمة للمحسنين فالمسيء لا ييأس منها ، وان كانت المغفرة مكتوبة للمتقين فالظالم لنفسه غير محجوب عنها ، ورحمة الله واسعة .

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ...

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم