مكانة العلماء

مكانة العلماء

 مقال بعنوان (مكانة العلماء)

م. انور ماجد خالد

كلية العلوم الاسلامية/جامعة الانبار

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه.

اما بعد: للعلماء مكانة في الدين لا تنكر، وفضل كبير لا يكاد يحصر، فقد جاءت نصوص الشرع متوافرة تعزز من مكانتهم، وتبين فضلهم، فهم من شهود الله على أعظم مشهود به وهو توحيد الله عز وجل كما قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـ?هَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ  لَا إِلَـ?هَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، قال الإمام القرطبي رحمه الله: "في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء"، ويكفيهم شرفًا أن الله تعالى رفع شأنهم، فجعلهم أهل خشيته من بين خلقه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر:28]. وأبى سبحانه التسوية بينهم وبين الجهلة بشريعته: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزُّمر:9]، ورفعهم الله تعالى درجات فقال سبحانه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11]. وأوجب طاعتهم فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]، وأولو الأمر: هم العلماء، وقال بعض المفسرين: أولو الأمر الأمراء والعلماء. وورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكانة العلماء كثير من النصوص المذكرة بفضل العلماء، وعلو درجتهم، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من سلك طريقاً يلتمس فيه علمًا سَهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له مَنْ في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر» (رواه أبو داود والترمذي) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ»( رواه الترمذي). وقال ابن القيم رحمه تعالى: " العلماء هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب". ولما كان أهل العلم بهذه المنزلة فقد جاء الشرع بتكريمهم والحض على توقيرهم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه» (رواه أحمد والترمذي).  توقير العلم والعلماء؛ من إجلال الله تعالى، وتعظيم شريعته، وامتثال أمره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ من إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فيه وَالْجَافِي عنه وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» (رواه أبو داود). وأخذ الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بركاب أبي بن كعب رضي الله عنه فقيل له: أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ بركاب رجل من الأنصار فقال: "إنه ينبغي للحبر أن يُعظم ويشرف". قال أبو جعفر الطحاوي: "وعلماء السلف من السابقين، ومَن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل". تعظيم العلماء وتقديرهم من تعظيم شعائر الله، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج:30]، وقال جل وعلا: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]، والشعيرة كما قال العلماء: كل ما أذن وأشعر الله بفضله وتعظيمه. والعلماء بلا ريب يدخلون دخولاً أوليًّا فيما أذن الله وأشعر الله بفضلهم وتعظيمه بدلالة النصوص الكريمة السالفة الإيراد. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: "شعائر الله أعلام الدين الظاهرة ومعنى تعظيمها إجلالها والقيام بها وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله". وعلى هذا فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يعد إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله قال بعض العلماء: أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم. ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات، وما يوجد من بعض الناس في بعض المجالس أو بعض وسائل الإعلام من انتقاصٍ أو ازدراءٍ لأهل العلم بسبب خلافهم أو قولهم الحق والصدع به يجب إنكاره والرد على قائله ونصحه؛ لأن الوقوع في العلماء إسقاط لهم وحرمان للناس من الإفادة من علمهم، وحينئذ يتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فيفتوا بغير علم فيضلوا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (رواه البخاري ومسلم). وسلف هذه الأمة وخير قرونها تمثلوا هذا التوقير والتعظيم في مواقف كثيرة امتلأت بها بطون كتب التراجم والتواريخ وتناقلها العلماء تذكيرًا بهذا الأدب، وتعميقًا لهذا الأصل في القلوب وتنبيهًا على استعماله لكل سالك. وإنما جاء الشرع بهذا التوقير والتعظيم للعلماء لما فيه من مصالح عظيمة، فإن توقير العلماء أدعى إلى توقير علمهم الذي يحملونه وأقرب إلى أن يحرصوا على بذله للناس، فإن التوقير والأدب والتلطف يستدر بها العطف والود، كما أن في ازدرائهم وإهانتهم خطرًا على المجتمع بكتمانهم العلم أو عجزهم عن إبلاغه، أو استهانة الناس بهذا العلم الذي يحملونه، ولذا كانت سنة الله تعالى فيمن اعتدى على أهل العلم والصلاح أن يفضحه الله ويكبته قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى? فَبَرَّأَهُ اللَّـهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّـهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69]. إن الجناية على العلماء خرق في الدين، قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: "مَن استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومَن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته". الطاعنون في العلماء عرضة لحرب اللَّه تعالى القائل في الحديث القدسي: «مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب» [رواه البخاري]، والعلماء هم من أولياء الله تعالى روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله أنهما قالا: "إن لم تكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي". قال الشافعي: "الفقهاء العاملون"، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "مَن آذى فقيهًا فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله عز وجل". وبما أن الجزاء من جنس العمل؛ فليخش الطاعنون في العلماء المستهزئون بهم بعاقبة من جنس فعلهم؛ ورُوِي قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى: "واعلم يا أخي وفقنا اللَّه وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة اللَّه عليهم مسمومة، وعادة اللَّه في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه برآء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على مَن اختاره اللَّه منهم لنعش العلم خلق ذميم". وقال أيضًا: "ومَن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه اللَّه تعالى قبل موته بموت القلب": {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. وذكر رجل عالمًا بسوء عند الحسن ابن ذكوان رحمه الله تعالى فقال: "مه لا تذكر العلماء بشيء فيميتُ الله قلبك".  

اللهم احفظ علماء الامة العاملين الناصحين وارزقنا برهم وتبجيلهم يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.