كفالة الدولة لحق الإنسان في العيش الكريم والتكافل الاجتماعي في القرآن الكريم

كفالة الدولة لحق الإنسان في العيش الكريم والتكافل الاجتماعي في القرآن الكريم

 كفالة الدولة لحق الإنسان في العيش الكريم والتكافل الاجتماعي في القرآن الكريم :

.أ.م.د. أحمد مخلف عبد

يراد بهذا الحق أَنَّ الفرد يجد ضماناً عاماً من الدولة عند الحاجة والعوز ، فلا يمكن أَنْ يهلك الفرد في الدولة الإسلامية وهي تنظر إليه وتعرف مكانه وتحسّ بعجزه وحاجته وعوزه ... .

ويسمي بعضهم هذا الحق باسم ( التكافل الاجتماعي ) ، وقيل أَنَّ هذا التكافل في الإسلام يستوعب كل جوانب الحياة – مادية ومعنوية – فهو التكافل الأدبي والعلمي والسياسي والدفاعي والجنائي والأخلاقي والاقتصادي والعبادي والحضاري والمعاشي ، وهذا الأخير خصص اليوم باسم التكافل الاجتماعي ، ويعني التكافل الاجتماعي (المعاشي) إلزام المجتمع برعاية أحوال الفقراء والمعدمين والمرضى وذوي الحاجات ، وقد فطن العالم في عصره الحديث إلى هذه الحقيقة – أي حقيقة التكافل الاجتماعي المعاشي – وبدأ ينادي (بالتكافل الاجتماعي) بين أفراد المجتمع ، وقصر مفهوم التكافل الاجتماعي على تحقيق المطالب المعيشية التي تليق بكرامة الإنسان للفئات المحرومة من الغذاء والكساء والسكن وما يماثلها من قبل الدولة والمجتمع ، بيد أَنَّ الإسلام قد فطن إلى هذه الحقيقة منذ أربعة عشر قرناً قبل أَنْ يعرفها أي نظام اجتماعي آخر.

 فقال تعالى : } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ { ، وبهذا التكريم أوجب الله تعالى له الحياة الكريمة لا الحياة كيف ما تكون ، ومنع عنه بهذا كلّ ما من شأنه أَنْ يؤدي إلى الإذلال الاقتصادي والاجتماعي ، وحق التكريم هذا لا يسمح بافتقاد الإنسان الحاجات الأساسية التي تمكن من أدنى درجة من العيش الكريم الذي يليق بكرامة الإنسان من خلال كفالة المجتمع له, وقال تعالى : } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { ، والتعاون هو التكافل والتضامن في تحقيق أمر ما ، وهذه الآية توجب التكافل على البرّ والتقوى ، وما من حق من الحقوق الاجتماعية إلاّ ويدخل تحت كلمة (البر) الوارد في الآية الكريمة ، وها هو القرآن الكريم يفسر بعض مضمون هذا البر بقوله تعالى : } وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ { ففي هذه الآية دلالة على كفالة الأمة لكل عاجز أو محتاج من خلال إنفاق المال على المستحقين له وإيتاء الزكاة وجاءت كلمة (التقوى) ليفسرها القرآن الكريم في آيات عديدة على أَنَّها صفة المنفقين فقال تعالى : } ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ { .

وقال تعالى : } فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ { وإطعام اليتيم والمسكين لا تقف عند الطعام فقط بل يجب رعاية ضروراته وحاجاته ، إذ لا معنى لأَنْ نطعمهم وبعد ذلك ندعهم مشردين بلا مأوى ، أو عريانين بلا كسوة ، أو مرضى بلا علاج ، وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي تحثّ على التكافل والتآصر وتقديم العون والمساعدة وسدّ حاجات الأفراد العاجزين والمحتاجين وكفالتهم .

وهذا التكافل الاجتماعي الذي حثّ عليه القرآن الكريم لا يقف عند حدود الأخوة الدينية بين المسلمين ، أو من الدولة لهم ، بل يتعدى ذلك ليشمل كفالة الأمة للمحتاج والعاجز والمريض ونحوهم من غير المسلمين أيضاً ، حيث ذكر القرآن الكريم برّهم في قوله تعالى : } لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ { .

وكل هذه النصوص وغيرها تبيّن قصد الشارع من هذه التشريعات جميعاً وهو كفالة الأمة للمحتاج والعاجز ونحوهم ، وإذا كان هذا هو قصد الشارع فإنّ الدولة في الإسلام مسؤولة عن تحقيق هذا القصد بصورة كاملة ، وكل ذلك يؤكد أَنَّ الإسلام جاء ليحقق التكافل العام بين جميع أفراد الأمة ، وأبناء المجتمع ليعيش المجتمع تحت راية الإسلام في أمن ورخاء وتعاون وعيش كريم أفضل