Symbolism of water in the Holy Quran

مركز تنمية حوض أعالي الفرات/ جامعة الانبار

الماء مادة الحياة، وسيد الشراب وخيره، وأحد أركان العالم، بل ركنهُ الأصلي. فإن السموات خُلقت من بخاره، والأرض من زبده، فهو أثمن الموجودات، وأغلى المفقودات، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء: 30). أي جعلنا الماء أصلاً لكل الأحياء وسببًا للحياة فلا يعيش دونه إنسان ولا حيوان ولا نبات. وقال القرطبي(671هـ)، في تفسيره على هذه الآية الكريمة ثلاثة تأويلات: أحدهما: أنه خلق كل شيء من الماء، الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء، الثالث، وجعلنا من الماء الصلب كل شيء حي.

وتنوعت أساليب القرآن الكريم البديعة في عرض لفظة (الماء) ومتعلقاته في جميع أحواله ومسمياته وذلك من خلال: نشأته، ونزوله، وانبثاقه، ومخارجه وسيلانه، ومنافعه، وأوعيته، وأواني شربه، فكل هذا تأكيد على الأهمية العظمى للماء وأنه إكسير الحياة.

لقد وردت لفظة الماء في القرآن الكريم في نحو ثلاث وستين آية، وبمفاهيم مختلفة، وتحمل هذه المفاهيم في كل مرة معنى مختلفًا لا يشابه مثيله في المفهوم الآخر، حيث استدل به تعالى مرة على وحدانيته، ومرة على البعث، ومرة أخرى يخبرنا به سبحانه وتعالى أنه أساس الحياة، وفي مرة أخرى على أنه جند من جنوده، فإن شاء جعله آمنا، وإن شاء جعله قاصمًا، ومرة يضرب به المثل ليبين للناس حقيقة ما أنزل إليهم، ومرة أخرى يبين جل في علاه أنه أمد عباده بالماء وجعله عذبًا فراتًا، ومرة ملح أجاج، ومرة جعله أساس الاغتسال والتطهير.

وقد ذكر الله تعالى الماء في القرآن الكريم منكرًا (ماء) في (33) مرة. وذكره معرفًا في (16) مرة. وذكره تعالى منكرًا أكثر من التعريف به وذلك ليدل على أن عموم جنس الماء نزل من السماء.

وذكر أهل التفسير (الماء) في القرآن الكريم بأنه على أربعه أوجه:

أولاً: ماء العيون والأنهار: ومنه قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) (المؤمنون: 18). وقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) (الزمر: 21).

ثانيا: ماء المطر: ومنه قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (الأنفال: 11). وقوله: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) (الحجر: 22). وقوله: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (الفرقان: 48). وقوله: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) (النبأ: 14).

ثالثًا: ماء النطفة: ومنه قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) (النور: 45). وقوله: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) (الفرقان،: 54). وقوله: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) (السجدة: 8).

وقد ألحق بعضهم وجهًا رابعاً فقالوا: والماء: المال الكثير. ومنه قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) (الجن: 16- 17) أي أعطيناهم مالاً كثيرًا.