| تفاصيل الخبر |
الضروريات الخمس في الإسلام وأثرها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
2024-03-11
المدرس المساعد عبد الكريم علي عبدالله
قسم تنمية الموارد البشرية/ مركز تنمية حوض أعالي الفرات/ جامعة الانبار
يُعَدُّ مصطلح التنمية المستدامة من المفاهيم الحديثة التي غزت العالم مؤخرًا والتي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة ودعمتها ووضعت لها سبعة عشر هدفًا تتعلق بالمحافظة على الانسان وتنمية قدراته والمحافظة على البيئة وتنمية مواردها، ولو تَمَعَنَّا في تعاليم الإسلام لوجدنا أنَّها تناولت هذه الأهداف وحثت عليها، وخاصة فيما يتعلق بالإنسان فالمقصد الأساسي للتنمية في الإسلام الإنسان، ومن أهم الأولويات لتنميه الإنسان المحافظة على: (دينه، ونفسه، ونسله، وماله، وعقله) هذه الأمور الخمسة المهمة والتي تسمى عند علماء الأصول (الضروريات الخمس، أو الكليات الكبرى) وهي واجبة على كل مسلم ليلتزم بها ويسعى لتطبقها، وقد أجمعت الأمة على حفظها وإيقاع اللوم والعقاب على من انتهكها؛ لأنها ملازمة للقيام بمصالح الدين والدنيا، وهذه الضروريات مستنبطة وفق نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي أسس العمران في كل مجتمع، والتي لولاها لما تحققت وسارت مصالح العباد في الدنيا والآخرة ولسادت الفوضى في المجتمعات، فأساس حفظ الدين بمعناه الشامل يراد له أنْ يحيا المجتمع على وفق نظام يضمن العدال ويحقق المصلحة للجميع، فيعيش الإنسان وفق هذا البند آمنًا مطمئنًا مقتنعا بدينه وعقيدته قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..) وبالتالي تحقيق مبدأ التعايش السلمي والاستقرار المجتمعي بين جميع أفراد المجتمع على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، وفق ضوابط وقوانين حددتها الشريعة الإسلامية.
ومقصد حفظ النفس مفهوم شامل للحفاظ على النفس البشرية وبقاءها على قيد الحياة فحرم الإسلام الانتحار وإلقاء النفس بالتهلكة قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)، وحرم في العموم قتل النفس بغير حق قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق)، كما ينطوي هذا المقصد في الحفاظ على حياة الآخرين قال سبحانه وتعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ)، ومساعدة الآخرين للتخلص من الفقر والجوع الذي يوقع بالتهلكة, ويتجسد أيضًا في مبدأ التكافل الاجتماعي من خلال أداء الزكاة والصدقة والترغيب في مساعدة الآخرين وإطعامهم.
كما يدخل مبدأ حفظ النفس البشرية بالإعداد الجيد وتجهيز الجيوش لمواجهة أي عدوان خارجي يهلك الحرث والنسل ويمنع التنمية قال عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم منْ قُوَّةٍ ..).
أمَّا مقصد حفظ النسل البشري، فمن شأنه الحفاظ على النوع البشري عموما والبحث عن تكوينه على أساس سليم, وتنشئة جيل في بيئة ملائمة تنهض به وتعده لخدمة المجتمع، بما يضمن استدامة الحياة والمحافظة على ثرواتها وتنميتها، ومما جاء في ذلك ترغيبه عليه الصلاة والسلام بالزواج والاكثار من الذرية لاستدامة النسل البشري فقال: (تزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأمم يومَ القيامةِ).
وفي مقصد حفظ المال الذي يُعَدُّ من الوسائل المهمة والأساسية لتحقيق هذه الحياة الكريمة المستقرة بما يحقق مبدأ الرفاهية والحياة الكريمة، وبما يضمن إنشاء بنًا تحتية ومشاريع متطورة. ففي هذه المجال حرم الاسلام إضاعة المال والإسراف فيه قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله حرَّم عليكم عقوقَ الأُمَّهات ووَأْدَ البَنَات، ومَنْعًا وهَات، وكَرِه لكم قِيل وقَال، وكَثرة السؤال، وإضاعة المال)، كما نهى الله تعالى عن اعطاء المال للسفهاء الذين لا يحسنون التصرف بها ويبذرونها فقال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على التخطيط المستقبلي حيث قال: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس..).
أمَّا حفظ العقل فيتم بحفظه بإزالة معوقات تنميته وتطوره ابتداء بالخبائث من المسكرات والمخدرات التي حرمها الإسلام, وانتهاءً بالأفكار الإلحادية ووساوس الشيطان التي يجب على المسلم الابتعاد عنها، وبالتالي نضمن عقلًا سليمًا ناميًا يؤسس للبناء والتطور ونجد مجتمع خال من الجريمة والانحلال والتخلف.
فمما سبق من تركيز الإسلام على هذه الضروريات نجد أنَّ الاسلام لا ينظر إلى صنع الثروات بقدر ما ينظر إلى صانع تلك الثروة وهو الإنسان، الذي كرمه الله تعالى وسخر له الكون وما فيه قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).
ولا شك أنَّ عمارة الأرض وتنمية ثرواتها تتطلب عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا وهو الإنسان، إذ لا يمكن أنْ تتم عملية الإعمار إلا بإنسان عاقل ومهيأ ومتسلح بالعلم والفكر والمهارة التي تمكنه من القيام بعملية الإعمار، وهذا هو لب التنمية البشرية المستدامة وأهدافها قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
فالإنسان هو محور النشاط في الكون؛ سخر الله له ما في السماوات والأرض جميعًا، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فكل ما في الكون مسخرٌ له ولخدمته، لذلك حرص الإسلام على المحافظة على نفسه وعلى عقله وعلى نسله وعلى ماله وعلى دينه، كونه العنصر الأساس للإنتاج وعمارة الأرض.
وبشكل عام، يُعَدُّ تأصيل أهداف التنمية البشرية في الإسلام وفق الضروريات الخمس جزءًا من رؤية شاملة لتطوير الإنسان والمجتمع بشكل مستدام وفقًا للمبادئ والقيم الإسلامية.
#مركز_تنمية_حوض_اعالي_الفرات
#Upper_Euphrates_Basin_Developing_Center
