ندوة علمية بعنوان: توظيف الأساليب الإدارية والتقنيات الحديثة في إدارة واستدامة مشاريع الموارد المائية في الانبار              مركز تنمية حوض أعالي الفرات يفتتح أولى الدورات للعام الدراسي 2023 -2024              السكان والغذاء..... وشبح المجاعة القادم              جامعة الانبار ضمن الفريق المكلف بدراسة وتحديد مسار الحزام الاخضر في المحافظة              دور وتأثير التشريعات القانونية في تحقيق اهداف التنمية المستدامة

 تفاصيل الخبر

تطور مفهوم واهداف التنمية المستدامة

2022-04-03

تطور مفهوم واهداف التنمية المستدامة


أ.د.عمار حاتم كامل

مدير مركز تنمية حوض اعالي الفرات - جامعة الانبار

مفهوم التنمية المستدامة و أبعادها:

لقد استحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والتنمية العالمية، حيث أصبحت الاستدامة التنموية، مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم المتقدمة منها والنامية على حد سواء، تتبناها هيئات وجهات شعبية ورسمية ومنظمات المجتمع المدني وتطالب بتطبيقها، حيث عقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات، ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها، إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا، بوصفه مفهوما وفلسفة علمية، ومازال هذا المفهوم يفسرُ بطرق مختلفة من الكثيرين.

تعريف التنمية المستدامة:

اول ظهور لمصطلح التنمية المستدامة كان في تقرير لجنة ( بوتلاند ) والذي عرفه، على أنه التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية الراهنة دون المساومة على امكانية الأجيال القادمة على تلبية حاجياتهم. بعدها شهد هذا المفهوم تطورا كبيرا منذ ذلك التاريخ في بداية ستينات القرن العشرين, فقد تبنت الأمم المتحدة (1960-1970 ) اول عقد للتنمية المستدامة، والذي اقترن بالنمو الاقتصادي، معتمدا على الناتج او الدخل القومي او دخل الفرد. وبعد ذلك تطور هذا المفهوم واصبح يملك ابعاد اخرى سياسية واجتماعية وثقافية في العقد الثاني للتنمية (1970-1980). ثم تطور اكثر ليكتسب ابعادا حقوقية وديمقراطية من خلال المشاركة العامة في اتخاذ القرارات الخاصة بالحكم الرشيد في عقد التنمية الثالث (1980-1990). في عقد التنمية الرابع 1990 شهد مفهوم التنمية نقلة نوعية من خلال إعلان ( ريو) لعام 1992 الذي اكد على المفهوم بشكل واضح وتضمن مبادئ تدعو إلى تحقيق العدالة بين الأجيال من ناحية توزيع الموارد الطبيعية. حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 بعقد مؤتمر التنمية المستدامة بمدينة ريو ديجانيرو البرازيلية عام 1992، والذي نتج عنه مجموعة من الوثائق القانونية، تمثلت في إعلان قمة الأرض (إعلان ريو)، وجدول أعمال القرن الـ 21، ومبادئ حماية الغابات، وكذلك اتفاقية التغيرات المناخية واتفاقية التنوع البيولوجي.

إعلان ريو:

يتضمن هذا الاعلان 28 مبدأ تركز على التنمية المستدامة، على سبيل المثال في المبدأ الأول من الإعلان " أن البشر يقعون في صميم الاهتمامات المتعلقة بالتنمية المستدامة "، و المبدأ الثالث الذي نص "على أنه يتوجب إعمال الحق في التنمية حتى يفي بشكل منصف الاحتياجات الإنمائية والبيئية للأجيال الحالية والمقبلة". و في المبدأ الرابع نجد " أنه من أجل تحقيق تنمية مستدامة تكون حماية البيئة جزء لا يتجزأ من عملية التنمية، ولا يمكن النظر إليها بمعزل عنها "، في حين نص المبدأ التاسع "على أنه ينبغي أن تتعاون الدول في تعزيز بناء القدرة الذاتية على التنمية المستدامة، بتحسين التفاهم العلمي عن طريق تبادل المعارف العلمية والتكنولوجية، وفي المبدأ العشرين " على أن للمرأة دور حيوي في إدارة التنمية البيئية، ولذلك فإن مشاركتها أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة". لقد أدرك القادة السياسيين في مؤتمر ريو أهمية التنمية المستدامة، اخذين بنظر الاعتبار ان نسبة كبيرة من سكان العالم يعيشون تحت ظل الفقر، مع وجود تفاوتاً كبيراً في أنماط الموارد التي تستخدمها الدول الغنية و الفقيرة، إضافة إلى الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها النظام البيئي العالمي. استدعت الضرورة إعادة توجيه النشاط الاقتصادي لتلبية الحاجات التنموية الماسة للفقراء ومنع حدوث أضرار سلبية من دورها أن تنعكس على البيئة العالمية، وبالفعل استجابت الدول النامية والمتقدمة، حيث اقترحت االدول النامية صياغة ((عهد جديد)) من النمو لمعالجة قضايا الفقر والمشاكل التي تعانى منها الدول الأقل فقراً، فيما رات الدول المتقدمة ضرورة بذل الجهود المضنية لزيادة الطاقة والمواد الفعالة والكافية و تحول في النشاط الاقتصادي لتخفيف حدة الثقل من على كاهل البيئة. فكان اعتماد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر (شكل رقم 1) في القمة التي عقدت عام 2015 ، يؤكد عزمها على استكمال الجهود التي بذلت على مدى خمس عشرة سنة في إطار الأهداف التنموية للألفية والتي أثمرت عن إحراز تقدم كبير في تحقيقها على مختلف المستويات. وهذه الاهداف موضحة بالشكل التالي:

 

شكل رقم (1), اهداف التنمية المستدامة

أبعاد التنمية المستدامة:

إن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا بتحقيق اندماج وارتباط بين ثلاثة عناصر أساسية (شكل رقم 2)، وهي: الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية، وأن إغفال البعد الاجتماعي أو البيئي، يؤثر سلبا على البعد الاقتصادي.

 

شكل رقم (2), عناصر التنمية المستدامة

أولا: البعد الاقتصادي:

يهدف إلى إيقاف التبديد والهدر في الموارد الاقتصادية الباطنية والسطحية، والحد من التفاوت في دخل الفرد والثروة، فضلا عن الاستخدام الرشيد للإمكانيات الاقتصادية. حيث تهتم التنمية المستدامة بالمساواة بين الشعوب والدول في مستوى التنمية الاقتصادية، فالمؤشرات العالمية اوضحت أن شعوب الدول المتقدمة تنعم بالثروة والرفاه الاجتماعي، وارتفاع مستوى النمو الاقتصادي، والذي أدى إلى تطور أنماط الإنتاج والاستهلاك فيها، مقابل تدهور كبير في الموارد الطبيعية وتراجع أداء الاقتصاد في الدول النامية، والذي انعكس سلبا على الجانب الاجتماعي للشعوب من خلال الارتفاع  في معدلات البطالة وتدني مستوى معيشة أفرادها. والسبب اعتمادها على الاقتصاد الريعي، وزيادة الإنفاق العسكري بدلا من محاربة الفقر والأزمات الاقتصادية التي تعيشها، وهذا ما يفرض ترشيد استخدام هذه الموارد بشكل يعمل على حماية البيئة وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأجيال الحاضرة والمقبلة. فالإنتاج المتوافق مع النظام البيئي يختلف عن الإنتاج الحالي، مما يتطلب تغيير أسلوب الإنتاج، وإدخال إصلاحات أساسية وبشكل أولي على نظام الإنتاج، مثل إجراء تخفيض في مستوى مدخلات الإنتاج (المصادر الطبيعية)، وهو أحد الإصلاحات الأساسية المطلوبة لإدراج حماية النظام الطبيعي ضمن الاقتصاد الكلي ( التنمية ) مثل التحول من استخدام الوقود الأحفوري (النفط) إلى استخدام الطاقات المتجددة، والتحول من استخدام مواد خام إلى مواد مستعملة، فضلا عن ذلك العمل على ادارة النفايات والملوثات يهدف تقليصها، وتصميم منتجات ذات كفاءة بيئية تراعي إشباع الحاجات الإنسانية، و تقلل من التأثيرات البيئية السلبية، وترسيد استغلال الموارد الطبيعية بمستوى يتناسب على الأقل مع طاقة احتمال الأرض التقديرية.

ثانيا: البعد الاجتماعي:

يعتمد مبدأ العدالة والعواقب التوزيعية للسياسات، ويهدف إلى إشباع الحاجات الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية والدخل الكافي وتحسين المستوى المعيشي للأفراد. اضافة الى الصحة والتربية والسكن والعمل، وضمان سلامة أنظمتها الإنتاجية التقليدية وبيئتها الاجتماعية. وبالأساس يهدف إلى تحسين العلاقة بين الطبيعة والانسان، والى النهوض برفاهية الشعوب وتحسين سبل الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية، والوفاء بالحد الأدنى من معايير الأمن، واحترام حقوق الإنسان . وكذلك يهتم البعد الاجتماعي بتثبيت النمو السكاني لفترة طويلة (بمعدلات تشبه المعدلات الحالية)، لأن النمو المستمر للسكان أصبح أمرا مكلفا، فهو يحدث ضغوطا شديدة على استخدام الموارد الطبيعية، وتكون النتيجة تزايد إنتاج النفايات السائلة والغازية والصلبة، وهو يعني استنزاف الموارد وتدهور البيئة الطبيعية. فضلا عن ذلك يجب العمل على تحقيق تقدم كبير في سبيل تثبيت نمو السكان، لأن حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة، وضغط السكان هو عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى،وكذلك يمكن القول بأن التنمية المستدامة والرشادة هي تنمية الناس من أجل الناس بواسطة الناس. وتنمية الناس معناها الاستثمار في قدرات البشر وتوسيع نطاق الخيرات المتاحة لهم سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات، حتى يمكنهم العمل على نحو منتج وخلاق، والتنمية من أجل الناس معناها كفالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي الذي يحققونه توزيعا واسع النطاق، آما التنمية بواسطة الناس أي إعطاء لكل فرد فرصة المشاركة فيها، وأكثر أشكال المشاركة في السوق كفاءة هو الحصول على عمالة منتجة ومأجورة. وكل ذلك من أجل تحقيق الاستدامة الاجتماعية التي هي: ( القدرة على توفير الموارد والحقوق التي تسمح للبشر بضمان الرفاهية في العيش، كالحصول على الحاجيات الأساسية، من أكل وصحة وتربية وتعليم وسكن، وكذلك الحصول على الخدمات والسلع سواء كانت عينية أو معنوية، والمساهمة في الحياة السياسية وحماية حقوقهم )، ولتحقيق هذه الاستدامة، يستوجب وجود تآلف داخل نفس المجتمع، والسهر على توفير نسيج اجتماعي منسجم، بعيدا عن التوترات والصراعات السياسية والاقتصادية والايكولوجية، والتي تشجع على تفاقم اللامساواة.

ثالثا :البعد البيئي:

يعتمد على أساس مبدأ المرونة أو قدرة النظام البيئي على المحافظة على سلامته وقدرته على التكيف، والذي يفرض مراعاة الحدود البيئية وعدم تجازوها من الاستهلاك والاستنزاف، حيث ان تجاوز هذه الحدود يؤدي إلى تدهور النظام البيئي. عليه يجب وضع الحدود أمام الاستهلاك والنمو السكاني والتلوث وأنماط الإنتاج البيئية، واستنزاف المياه وقطع الغابات وانجراف التربة. و تحقيق الاستدامة البيئية يؤدي إلى حماية الموارد الطبيعية الضرورية،لضمان حماية البشر، كالماء والهواء والأرض والتنوع البيولوجي، بحيث لا ينتج عنه تدهورها بشكل محسوس من خلال التلوث وتراكم ثاني أكسيد الكربون، والقضاء على طبقة الأوزون، وعلى المساكن الطبيعية التي تضمن التنوع البيولوجي، وبعتمد ذلك على محاربة التلوث والتقليل من استهلاك الطاقة وحماية الموارد غير المتجددة. يركز المهتمون بالبيئة ي مقاربتهم للتنمية المستدامة، على مفهوم الحدود البيئية، والتي تعني أن لكل نظام بيئي طبيعي حدودا معينة، لا يمكن تجاوزها من الاستهلاك والاستنزاف، وإن أي تجاوز لهذه القدرة الطبيعية يعني تدهور النظام البيئي بلا رجعة. اشار تقرير الأمم المتحدة حول تقدم الشعوب عام 1998 أنه (سيأتي اليوم الذي يقاس فيه تقدم الشعوب ليس بالقوة العسكرية والاقتصادية، ولا فخامة العواصم وعمائرها الشامخة، ولكن بسلامة وصحة وتعليم رعاياها، وبالفرص المتاحة لهم للعمل والكسب العادل، وبقابليتهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم، وباحترام حقوقهم وحرياتهم السياسية، وباستعدادهم لرعاية العاجزين والضعفاء والأطفال القاصرين. فالارض كوكب محدود الموارد، وعلينا أن نعرف كيف نعيش تحت السقف الإيكولوجي، الذي يضمن ديمومة الموارد و يحددها.

من الأهداف السابقة يتبن لنا أن التنمية المستدامة، لا يمكن حصرها في الحدود الطبيعية للبعد البيئي، بل هو مفهوم واسع يستوجب أبعاداً سياسية واجتماعية، إلى جانب البعد الاقتصادي، فهي تنمية تفاعلية حركية، تأخذ على عاتقها تحقيق الموائمة والموازنة بين الأركان الثلاثة: البشر والموارد البيئية والتنمية الاقتصادية، والتنمية المستدامة هي تنمية ذات قدرة على الاستمرار والاستقرار من حيث استخدامها للموارد الطبيعية، والتي تتخذ من التوازن البيئي محورا أساسيا لها، يهدف إلى رفع المستوى المعيشي من جميع جوانبه، مع تنظيم الموارد البيئية والعمل على تنميتها.

 تعليقات الفيسبوك

 المزيد من الاخبار

 التغيرات المناخية وانعكاسها على النشاط الزراعي

 جودة التربة (Soil Quality)

 مواد الإلكترونيات الضوئية

 دور نظم المعلومات الجغرافية في مراقبة الاهوار في جنوب العراق (الاهوار العراقية ما بين الخسارة والضرر)

 الضروريات الخمس في الإسلام وأثرها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

 الزراعة الرقمية تقود مستقبل الإنتاج الغذائي في العالم

 تطبيقات تكنولوجيا النانو في مجال تنقية المياه

 التذبذب المناخي وأثره على الأمن الغذائي في محافظة الانبار

التصويت

ماهو رائيك بمستوى التصميم والخدمات التي يقدمها موقع جامعتنا؟

 ضعيف
 جيد
 جيد جدا

مجموع التصويتات 227

الاساتذة والاداريين


المركز
اللقب
الاسم


خريجي الكلية

المركز
الشهادة
السنة
النوع
الجنس
الاسم

طلبة الكلية

المركز
المرحلة
الشهادة
النوع
الجنس
الاسم