المياه المالحة والحزام الأخضر

تفاصيل الخبر

المياه المالحة والحزام الأخضر

2022-06-01

الاستاذ الدكتور عصام محمد عبد الحميد

باحث في مركز تنمية حوض أعالي الفرات/ جامعة الانبار

كثرت طروحات انشاء احزمة خضراء حول المدن لتحسين ظروف البيئة والحد من العواصف الغبارية وآثارها الصحية والبيئية والاقتصادية الكبيرة، فهل يملك العراق موردا مائيا يضمن انشاء واستدامة هذه الاحزمة الخضراء في ظل ازمة المياه العالمية والتغيرات المناخية التي يعد العراق من اكثر دول العالم تأثرا بها؟

تؤكد تصنيفات المياه العالمية الحديثة امكانية استخدام مياه مالحة لري عدد كبير من النباتات وتحقيق انتاج مقبول ضمن مواصفات منظمة الاغذية والزراعة الدولية (FAO).

وتجدر الإشارة إلى أن اول تصنيف مكتوب للمياه هو تصنيف عراقي كتب في بغداد في العصر العباسي، يصنف الماء الى ست اصناف بحسب ملوحته، وقد اقتبس هذا التصنيف تسمية كل من افضل تلك الاصناف واكثرها ملوحة، اقتبس تسميتها من القرآن الكريم في الآية المباركة:

(هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) (الفرقان: 53)

من هنا اخترنا اسم اول برامجنا التي قمنا بإعدادها لإدارة مياه مالحة في الري بالرجوع الى اقدم تصنيف مكتوب للمياه واطلقنا على البرنامج اسم (فرات- أجاج) ورمزنا له (F.Uj)

وجد ان الفلاحين في العديد من دول العالم يستخدمون مياه ابار مالحة لري بساتين النخيل ذات التربة الرملية، وتعد الجزائر من بين تلك الدول التي تستخدم مياه مالحة منذ عشرات السنين.

تركزت دراسات الباحثين منذ نحو سبعة عقود على تأثير الملوحة على النباتات المختلفة، فوجدوا ان كل النباتات تتحمل مدى معين من الملوحة سمي بعتبة التأثر بالملوحة يبدا بعدها انخفاض الانتاج وفق علاقة خطية،

وصنف الباحثان (ماس وهوفمان) في سنة 1977 كافة النباتات الى اربع اصناف بحسب تحملها الملوحة ورموزا لكل صنف بالحرف الاول من التسمية الانجليزية له:

1- حساسة (S)

2- متوسطة الحسية (MS)

3- متوسطة التحمل (MT)

4- متحملة (T)

الشكل رقم (1) العلاقات الخطية بين الانتاج والملوحة.

يبين الشكل رقم 1 تلك العلاقات الخطية بين الانتاج والملوحة، بعد هذا التصنيف الذي يعد نقلة نوعية في ادارة استخدام مياه مالحة في الري، طور الباحث (روادز) في سنة 1992 تصنيفا جديدا للمياه حيث تعد المياه ذات التراكيز الملحية من 1500 الى 7000 جزء من المليون على انها متوسطة الملوحة وانه يمكن استخدامها في راي بعض المحاصيل تحت ظروف ادارة حقلية تضمن استدامة تلك المشاريع وعدم تدهورها.

وفي احدث دراسة اشرفنا عليها توصلت طالبتنا هالة ناظم ملوكي الى ان مياه المصب العام في وسط وجنوب العراق يمكن استخدامها في الزراعة تحت ظروف ادارة حقلية مناسبة تضمن عدم تدهور التربة، وتم التوصل الى امكانية اقامة حزام اخضر من بساتين النخيل والزيتون وبعرض يصل نحو 9 كم على جانبي المصب العام وبامتداد نحو 500 كم من مدينة الاسحاقي شمال بغداد وصولا الى محافظة البصرة، فيسهم في تحسن بيئة البلاد ويحد من العواصف الترابية واضرارها الكبيرة على بيئة واقتصاد وطننا العزيز.

يمتلك مركزنا البحثي من الخبرات الاستشارية المتراكمة ما يؤهله لإعداد الدراسات التفصيلية لتصميم ومتابعة تنفيذ هذا المشروع العملاق الذي سيحول نحو نصف مليون هكتار من صحراء وسط وجنوب العراق الى حزام اخضر منتج للتمور والزيتون وما يترتب على ذلك من خلق فرص عمل وصناعات غذائية متنوعة.