نهر الفرات من القائم إلى شط العرب (تاريخ مليء بالماء والحضارة)

تفاصيل الخبر

نهر الفرات من القائم إلى شط العرب (تاريخ مليء بالماء والحضارة)

2023-12-08

مركز تنمية حوض أعالي الفرات/ جامعة الانبار

ورد أسم الفرات في المصادر المسمارية في حضارة وادي الرافدين بالصيغة السومرية: بُرانُن (Buranun) وبورونُنَا (Burununna)، ويرادفها الصيغة الآكدية پوراتُم (Puratum) وپوراتو (Puratu)، ومن هذه الصيغة يكون أسم النهر (الفرات) في الصيغة العربية، ومعناه (الفرع أو الرافد أو الماء العذب)، وهو المعنى الذي أورده اللغويون العرب لاسم الفرات أيضاً، وبما أن الرأي السائد بين الباحثين أن تسمية (الفرات) جاءت من أصل سومري؛ لكن الاتجاه الحديث يميل إلى أنها ليست من أصل سومري ولا من أصل سامي، بل هي من تراث لغوي من قوم مجهولين لعلهم سبقوا السومريين والساميين في استيطان السهل الرسوبي، ولا يعلم عنهم شيء سوى ما تركوه من آثار لغوية قليلة في أسماء المدن وبعض المهن والحرف ومنها أسماء نهري دجلة والفرات. وقد خص العراقيون القدماء نهري دجلة والفرات بالتقديس والتعظيم، وعدوهما من الآلهة المشتقة من القوى الطبيعية، وأفردوا الفرات بتقديس أكثر لأنه كان النهر الذي تركزت على ضفافه المستوطنات القديمة، الأمر الذي جعل أغلب الكتاب والباحثين يطلقون عليه تسمية (نهر الحضارات).

يعتبر نهر الفرات أطول أنهار غرب قارة آسيا وثاني أطول نهر في الوطن العربي، ينبع من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة (جرابلس) في ريف حلب الشمالي مروراً بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقاً، وصولاً إلى العراق. يغطي النهر من تركيا إلى سوريا فالعراق حوالي (2800) كيلومتر، ولا يوجد رافد لنهر الفرات في الأراضي العراقية.

يمر الفرات قبل دخوله الأراضي العراقية بـ ( دورايوروبس) عند مدينة الصالحية ثم مدينة البوكمال القريبة من مدينة ماري القديمة ويدخل الاراضي العراقية عند قرية الحصيبة على بعد قليل من بلدة البوكمال.

وتوجد ما بين الحصيبة والقائم أطلال أثرية يحتمل ان تكون بقايا مدينة ذكرتها النصوص الآشورية باسم (خندانو) او(خندانا) وبعد ان يجتاز الفرات الرافدة يمر بمدينة (عانه) (خانه قديماً) على الضفة اليمنى ومدينة (راوه) على الصفة اليسرى وفي جنوب بلدة (الحديثة) يصب في الضفة الغربية من النهر مسيل وادي حوران قادماً من بادية الشام.

وبعد ان يجتاز النهر مدينة هيت (ايتو في النصوص المسمارية) يدخل السهل الرسوبي، والى الجنوب من هذه المدينة تكثر المنخفضات المائية ويظهر من التحريات الجيولوجية ان الفرات كان يتصل في عصور ما قبل التأريخ بمنخفض الحبانية وابو دبس وبحر النجف وان هذه المنخفضات كانت متصلة ببعضها مكونة وادياً يمتد من الشمال الى الجنوب ثم أنفصلت عن بعضها بالشكل الذي نشاهده اليوم بسبب الحركات التكوينية في داخل الارض، ويرجح ان هذه المنخفضات قد استعملت في العصور القديمة لخزن مياه الفيضان للاستفادة منها لاحقاً.

ويقترب الفرات من دجلة جنوبي مدينة الفلوجة بقليل وتبلغ المسافة بين النهرين (30) كيلومتراً ولارتفاع وادي الفرات في هذه المنطقة على وادي دجلة بمقدار يتراوح بين (7 – 10) أمتار فقد استغلت هذه الظاهرة لشق مشاريع الري من الفرات الى دجلة في العصور القديمة وفتحت المشاريع الجديدة مثل جدول الصقلاوية وابو غريب واليوسفية واللطيفية والاسكندرية والمسيب موازية للمشاريع القديمة مثل نهر عيسى وصرصر وملكا وكوشا والصراة .

وتنخفض سرعة مجرى النهر كثيراً بعد هيت وينجم عن ذلك ترسب كميات هائلة من الغرين الذي سبب تغيير مجرى النهر مرات عديدة في تأريخه الطويل. وقد أمكن أقتفاء أثر المجاري القديمة وفروعها بتعيين مواقع الاستيطان في أحواض المجاري القديمة وتأييد ذلك من النصوص المسمارية .

فتبين أن الفرات كان بين الألف الثالث والثاني قبل الميلاد يجري الى الشرق من مجراه الحالي، وكان هذا المجرى يبدأ من (أبوغبار) شمال (سبار) ويسير نحو مدينة كوشا (تل أبراهيم) وفي منتصف الطريق بين هاتين المدينتين كان يتفرع نهر (أراختو) الذي يروي منطقة بابل ويمر فيها، ويواصل النهر بعدها سيره الى كيش (تل الأحمير)، ومنها بأتجاه جنوبي شرق الى أبو صلابيخ ونفر ودريهم (بوزو رش دكان) ثم (دليهم) وأبو حطب (كيسورا) وفارة (شروباك) وضربات وجارن وأوروك (الوركاء)، وتختفي آثار المستوطنات ما بين الوركاء وأيشان خيبر، مما يدل على أن المنطقة كانت أهواراً .

ووجدت آثار ستة فروع رئيسية كانت تأخذ مياهها من الفرات في المنطقة الممتدة بين (سبار ونفر)، وكانت هناك فروع أصغر تأخذ مياهها منها .

أن هذه الدلائل تشير الى أن معظم أقسام السهل الرسوبي الأوسط والجنوبي من (لجش وأوما) الى (أور وأريدو) كانت تسقى من الفرات .

لانعرف زمن التقاء دجلة والفرات وتكوين شط العرب على وجهة التأكيد، فالنصوص التاريخية وأقدمها نصوص العهد الآشوري وروايات المؤرخين الكلاسيكيين والعرب تشير الى أن النهرين كانا يصبان منفصلين في الخليج العربي، ومهما يكن من أمر فأن شط العرب يتكون الأن من التقاء دجلة والفرات عند مدينة القرنة .

ويمكن تقسيم نهر الفرات على النحو التالي:

1- الفرات الأعلى: وهو القسم الكائن في الأراضي التركية والمؤلف من اتحاد فرعين هما (قره صو) و (مرادصو)، حيث يمر مجراه في مضايق متعددة ويترك يصب في جبال طوروس بحدود ثلاثمائة شلال، وبعدها يواصل النهر مجراه إلى أن يصل الحد بين الاراضي التركية والأراضي السورية الموضع الذي أقيم عليه جسر الخط الحديدي (جسر نصيبين – حلب).

2- الفرات الأوسط: وهو القسم الممتد بين المدينة السورية (جرابلس) وهي أول مدينة يدخلها النهر ضمن حدود سوريا حتى يصل إلى مدينة (الفلوجة) العراقية.

3- الفرات الأدنى: وهو القسم الممتد بين قضاء الفلوجة ومنطقة كرمة علي في محافظة البصرة، حيث يلتقي نهر الفرات بنهر دجلة في منطقة كرمة علي ويكونان شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.

وفي الجنوب من مدينة الرمادي يجري نهر الفرات في أراضي سهلة وتتفرع من الضفة اليسرى للنهر أربعة جداول كبيرة تقام عليها أراضي زراعية واسعة ومدن كبيرة أهمها:

‌أ- جدول الصقلاوية.

‌ب-جدول أبي غريب.

‌ج- جدول اليوسفية.

‌د- جدول اللطيفية.

وبعد صدر جدول اللطيفية بحدود 48 كم يقع السد الكبير والناظم الحيوي الذي تعتمدها أغلب المحافظات وقرى الفرات الذي يعرف بـ (سدة الهندية) حيث ينقسم الفرات في تلك المنطقة على قسمين هما:

1- شط الهندية: وهو العمود الرئيسي لنهر الفرات حيث يصل إلى منطقة كرمة علي.

2- شط الحلة: الذي ينتهي في الأراضي الزراعية قرب قضاء الرميثة.

أما الجداول التي تعتمد في ريها على سدة الهندية فهي:

1- الجداول الكبيرة وهي:

‌أ- جدول الحلة (شط الحلة).

‌ب- جدول الكفل. وكلا الجدولين يقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات.

‌ج- جدول الحسينية الذي يقع على الضفة اليمنى من نهر الفرات ويتجه إلى مدينة كربلاء.

‌د- جدول بني حسن (الجدول الغربي).

2- الجداول الصغيرة وهي:

‌أ- جدول الناصرية.

‌ب- جدول المسيب.

‌ج- جدول الإسكندرية.