| تفاصيل الخبر |
الارشاد المائي... وخط الفقر المائي
2022-06-23
الأستاذ الدكتور عصام خضير حمزة الحديثي
تدريسي في كلية الزراعة – جامعة الانبار
أحد أعضاء مجلس إدارة مركز تنمية حوض أعالي الفرات
تنشأ الحضارات العظيمة على مجاري الأنهار العظيمة ... مقولة لا غبار عليها.. بيد أنها لا تتحقق الا بوجود انسان عظيم يحسن إدارة موارد الأرض والمياه.
وقد استخلف الله جل في علاه الانسان لإعمار الأرض وليس لإفسادها { وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة} (البقرة: 30) وقال تعالى: { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف: 56)، غير ان بعضاً من البشر يعملون على خراب الأرض وتدهورها لتتحول من ارض طيبة معطاء لأرض قاحلة مجدبة بقصد او من دونه.
§ ففي بلاد ما بين النهرين (Mesopotamia( وفي حقب سابقة عمّر الانسان الأرض حتى سميت بأرض السواد لشدة اخضرارها وخصوبتها.. غير ان هذا الوادي العظيم لم يحظى بالإدارة الرشيدة في حقب لاحقة حتى تحول من (جنات وزرع ونخيل واعناب) الى (وادٍ غير ذي زرع) فتدهورت الأرض واستفحلت الملوحة.
§ ان أساليب الزراعة والري القديم والإدارة غير الرشيدة للمياه في بلاد ما بين النهرين واستعمال المياه بكميات كبيرة تزيد عن حاجة المزروعات اعتقاداً بان الإنتاج يزداد بزيادة المياه قادت الى تدهور الزراعة والأرض والبيئة وكانت النتيجة التصحر (Desertification).
§ ان الإدارة المتكاملة لموارد المياه هي (فكر ومنهج وسياسة) و(مسؤولية مجتمعية) إضافة الى مسؤولية الدولة بغض النظر عن (الندرة او الفقر المائي) او (الوفرة المائية)، وقد بات من الضروري تصحيح سلوكيات وفهم الافراد والمجتمعات عن المياه لتحقيق الإدارة الرشيدة للمياه والتي تحقق للإنسان حياة أفضل.
ان المشكلة الأساسية للمياه في بلدنا هو سوء ادارتها وان الإدارة العلمية الصحيحة تتطلب مستوى عالٍ من الوعي والثقافة المائية بين الناس والمختصين، ونشر ثقافة (ترشيد المياه)، وهي مهمة تقع على عاتق (الارشاد المائي) وهو في كثير من الدول تشكيل يرتبط بالوزارات التخصصية مثل الموارد المائية.
ان المرحلة الحالية والمقبلة تتطلب العمل الجاد على نشر (ثقافة مائية حديثة) بديلاً عن (الثقافة التقليدية القديمة) أساسها ترشيد استخدام المياه في شتى المجالات وفي كافة الأوقات والمواسم وفي ظروف الوفرة والشح على حدٍ سواء.
ان ترشيد المياه له فوائد جمة تحقق اهداف الزراعة والري الحديثة، مع الحفاظ على الموارد المائية، فيما تسبب المفاهيم التقليدية المتعلقة بالمياه مضار كبيرة، فلقد بنيت الثقافة المائية التقليدية للناس على أساس ما ورثوه من ابائهم واجدادهم في تعاملهم مع المياه، من ان الماء هبة الطبيعة ومصدر مجاني لا ينضب وهي مفاهيم سادت لقرون لعدم وجود مشكلة حقيقية للمياه في ظل المجتمعات الصغيرة حيث الموارد المائية تكفي وتزيد عن حاجة واعداد السكان.
§ ومع تنامي السكان والطلب على الغذاء والتوسع في المساحات المزروعة وثبات موارد المياه او نقصها المستمر او تدهور نوعيتها تقادمت تلك المفاهيم لتصطدم بالمخزونات المائية التي لا تحقق الكفاية او الوفرة خاصة في المناطق الأكثر جفافا.
§ كل ذلك قاد الى ضرورة نشر ثقافة حديثة تستند على مبدأ ترشيد استخدام المياه واتباع الأسس العلمية الحديثة في الري والزراعة حتى ساد الشعار التالي حالياً (اعلى انتاج زراعي بأقل كمية مياه واقل طاقة) كل ذلك ينعكس على انتعاش الزراعة وزيادة الإنتاج ومستوى معيشة المزارعين، وبالتالي تحسن ظروف البيئة وديمومة الموارد المائية واستدامتها للأجيال القادمة.
§ فترشيد استخدامات المياه للأغراض المنزلية والصناعية والزراعية يسهم في الحد من ظاهرة الجفاف والتصحر.. وان كل قطرة ماء نوفرها عن حاجة شجرة ما سنستزرع بها شجرة أخرى.. والإرشاد المائي طريقنا لرفع مستوى الوعي المائي والثقافة المائية بما يحقق الترشيد المائي و(الامن المائي) على المستوى المحلي والدولي، مثلما الامن المائي طريقنا للأمن الغذائي فلا امن غذائي دون الامن المائي.
§ فالأمن المائي يجنبنا شبح تجاوز (خط الفقر المائي). وان نقص الماء يقود الى نقص الغذاء وكلاهما يتسببان في الفقر وتضاءل فرص العمل.. والفقر يقود الى المجاعة والمجاعة تفضي الى البطالة والبطالة تولد بؤراً حقيقية للعنف والصراع والقتل والمخدرات والتخلف في بعض مناطق العالم بحسب منظمة الأغذية والزراعة الدولية FAO.
§ سبيلنا اذاً لمستقبل كريم لنا ولأجيالنا القادمة ان نحافظ على مياهنا وان نجعل من نهري دجلة والفرات عنواناً دائماً وحقيقياً لحضارتنا من خلال العناية بهما وعدم اهمالهما مثلما هو حالهما الان، ان ثقافة المياه الجديدة تتطلب ايضاً حماية المياه من التلوث والتملح لإنتاج أفضل وحياة صحية لائقة للناس.
§ ولتحقيق المفاهيم الواردة في أعلاه لابد من:
1. عرض برامج تعنى بالإرشاد المائي عبر الوسائل السمعية والبصرية
2. مشاركة مجتمعية (منظمات وافراد وجمعيات وجماعات ومختصين ومزارعين) مع الجهات الرسمية في نشر الوعي المائي تحقيقاً لمبدأ المشاركة للمستفيدين من المياه.
3. اعتماد التقانات الحديثة في الزراعة والري لتقليل الضائعات المائية.
4. توفير برامج تدريبية للمختصين والمستفيدين في مجال الارشاد المائي.
5. وضع قوانين وتعليمات لحماية الموارد المائية.
6. توعية المرأة الريفية بالثقافة المائية الحديثة.
7. الحد من التجاوزات على شبكات المياه في داخل المدن او في الحقول.
8. ادخال مفاهيم الارشاد المائي في مناهج ومقررات التعليم خاصة الزراعية.
§ اخيراً اقترح انشاء تشكيلين
الاول: يعنى بالإرشاد المائي يرتبط بوزارة الموارد المائية.
الثاني: تشكيل يسمى الشرطة البيئية يرتبط بوزارة الداخلية او بالحكومات المحلية لحماية البيئة ومواردها من التجاوز والعبث والتلوث. ومن اهم واجباتها حماية نهري دجلة والفرات وروافدهما والجداول والمسطحات المائية من التلوث ورمي النفايات والاستخدام المسرف.
وفي الختام لنتذكر جميعاً قوله تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي افلا يؤمنون} (الانبياء: 30). وقول رسولنا الكريم (لا تسرف في الماء ولو كنت على نهرٍ جار)، فهذا يغنيكم عن مقالتي بأكملها بل عما قيل ويقال عن أهمية الماء وضرورة ترشيد استخدامه.
